على الرغم من تأكيد مصادر في الإدارة السورية الجديدة لـ”النهار” أن هناك تراجعاً كبيراً لعمليات التهريب وضبط المعابر، لا تزال المناطق العشائرية المحاذية والمتداخلة مع الأراضي السورية ناشطة في هذا الموضوع ، فمع المغيب تبدأ مغامرات التهريب وقصص الاستلام والتسليم على طول الحدود، من المعابر الشرعية وتلك غير الشرعية، ترافقها إشكالات مسلحة من فترة إلى أخرى.
في بعلبك الهرمل، تعدّ العشائر حجر الزاوية في النسيج الاجتماعي والسياسي. تساهم في تعزيز الاستقرار، إلّا أنها تواجه أيضاً تحديات في مواجهة المخلّين بالأمن من داخلها، من هنا تطرح الأسئلة حول دور هذه العشائر في المساهمة والالتزام بالأمن الحدودي شرقي لبنان، وموقفها وتأثيرها على الترتيبات الأمنية المتخذة من الدولتين السورية واللبنانية.
ما الذي تغير في هذه المنطقة الحدودية بعد سقوط النظام السوري، وما دور القوى الفاعلة في مكافحة التهريب بأنواعه كافة ومدى مساهماتها في دعم منطق وخطط الدولة والاستقرار الأمني؟
يعلّق كبير عشيرة آل جعفر في الهرمل الشيخ ياسين علي حمد جعفر، الآمال هي على الجيش اللبناني “ليضطلع بدوره في تنظيم الترتيبات والإجراءات الأمنية، كي لا تسيطر الفوضى وتُترك الحدود عرضة للاختراق، ما قد يؤدي إلى حدوث اختلالات أمنية”، كما يقول.
عمليات التهريب… من الممنوعات إلى الفيول؟
يرفض جعفر إبداء تقييم حاسم ونهائي لنتائج الترتيبات الأمنية على الحدود ما لم تنجلِ صورة المشهد السياسي في سوريا بوضوح، ويقول: “هناك من يغطي عمليات التهريب والانتهاكات، حيث تتحكم اعتبارات سياسية في تصرّفات بعض الوزراء، الذين يمثلون أحزابهم بدلاً من الانتماء للدولة”.
ويؤكد جعفر أن “لا تراجع في نسبة التهريب عبر المعابر بعد انهيار النظام السوري، لا سيّما التهريب من لبنان إلى سوريا، وبالتحديد في ما يتعلق بموارد الطاقة مثل الفيول والمازوت والبنزين، حيث يستفيد من هذه الأنشطة زعماء سياسيون وأفراد نشطون في قطاع الطاقة”.
أمّا بالنسبة إلى تهريب الممنوعات، فقد “شهدت ظاهرة تهريب المخدرات والكبتاغون تراجعاً ملحوظاً، يؤكد جعفر. و يضيف: “ربما انتهت في الوقت الراهن، ما يشكّل صدمة لكافة الأطراف الحزبية المعنية، إذ توقفت جميع الشبكات التي كانت تعمل في هذا المجال”.
ويبدي جعفر ثقة مطلقة بقدرات الجيش اللبناني وبمهامه الأمنية، رافضاً تحميله أعباء إضافية، في حين “تظلّ بعض الأجهزة الأمنية مقصّرة في أداء واجباتها، وكثيرون يدركون من يتستر على التجاوزات، والنزاعات الحالية هي صراع بين دائرة من المنتفعين من التهريب”.
الجهة المستفيدة من التهريب؟
أحد وجهاء عشيرة آل نصرالدين الشيخ محمد مرشد نصرالدين يؤكد لـ “النهار” أن “موقفنا كعشائر إزاء الجيش في جميع ترتيباته المتعلقة بفرض السيطرة على الحدود هو موقف صريح وواضح في دعمه دون أيّ تردد”.
وفي ما يخصّ احتمالات نجاح أو إخفاق الإجراءات الأمنية، يشدّد نصر الدين على أنه لم يحدث ما يستدعي اتخاذ موقف نهائي من جانب العشائر في شأن إمكانية نجاحها أو إخفاقها، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنّ “التطورات حتى الساعة لا تتجاوز كونها مشادات خفيفة بين المهربين، والحدود تشهد استقراراً بفضل وجود الجيش”.
يفضل نصر الدين ترك الأمور الأمنية تسير وفقاً للقانون ولخطوات الأجهزة الأمنية، قائلاً: “من يرغب في أن يقود ويُجرّ نفسه وعدد قليل من المخالفين للقانون وللعادات إلى متاهات غير محمودة العواقب، فليتحمل هو العواقب، ولا غطاء على أيّ مخلّ بالأمن، فالقانون هو السلاح الذي يضبط إيقاع الأمور في هذه الظروف العصيبة، خصوصاً في ظلّ وجود النزوح السوريّ في المنطقة”.
الثغرات الموجودة في سوريا تتيح فرصاً للتهريب من لبنان، إذ تتركّز هذه العمليات في الأماكن التي تفتقر إلى تواجد الجيش اللبناني، ما يجعلها نقاطاً خصبة للتهريب.
ومن الأماكن التي شهدت انخفاضاً في التهريب، تعدّ جزءاً من القرى المتناثرة في حوض العاصي اللبناني، مثل قرى زيتا، السماقيات، الصفصافة، حوش السيد علي، وبرج الحمام. ومع ذلك، فقد عادت عمليات تهريب المازوت وازداد نشاط تهريب البنزين في الآونة الأخيرة، حيث تُنفّذ هذه الأنشطة عبر المعابر غير الشرعية.