كشفت دراسة حديثة نشرت في مجلة Brain, Behavior, & Immunity Health أن الروابط الاجتماعية الممتدة طوال الحياة، بدءاً من علاقة الفرد بوالديه في الطفولة، وصولاً إلى اندماجه في المجتمع ومشاركته في الأنشطة الدينية أو المجتمعية خلال مرحلة البلوغ، قد تساهم في إبطاء عملية الشيخوخةالبيولوجية وتقليل الالتهابات المزمنة في الجسم.
قاد الدراسة أنطوني أونغ، أستاذ علم النفس في جامعة كورنيل، الذي أوضح أن الهدف هو فهم كيف تصبح التجارب الاجتماعية جزءاً من بيولوجيا الإنسان، لتترك آثاراً طويلة الأمد على الصحة.
قياس “الميزة الاجتماعية التراكمية”
اعتمد الباحثون على بيانات 2,117 مشاركاً من دراسة وطنية أمريكية طويلة المدى تُعرف بـ”منتصف العمر فيالولايات المتحدة”، بمتوسط أعمار بلغ 55 عاماً.
وقام الفريق بإنشاء مؤشر شامل أطلق عليه اسم “الميزة الاجتماعية التراكمية”، من خلال 16 معياراً يعكس عمق واتساع العلاقات الاجتماعية.
وتضمنت هذه المعايير:
الدعم العاطفي من الوالدين في الطفولة.
الشعور بالانتماء للمجتمع والحي.
المشاركة في التجمعات الدينية أو الإيمانية.
الدعم المستمر من الأصدقاء والعائلة.
__
الشيخوخة البيول وجية والالتهاب المزمن
فحص الباحثون ثلاثة أنظمة بيولوجية رئيسية:
الشيخوخة الجينية (الإبيجينية): عبر استخدام سبعة “ساعات جينية” دقيقة تقيس العمر البيولوجي للخلايا.
الالتهاب الجهازي: من خلال قياس ثمانية مؤشرات في الدم أبرزها بروتين C التفاعلي والإنترلوكين-6.
وظائف الغدد الصماء العصبية: بقياس هرمونات التوتر في عينات بول ليلية مثل الكورتيزول والأدرينالين.
أظهرت النتائج أن الأشخاص الذين يتمتعون بميزة اجتماعية تراكمية أعلى لديهم معدل أبطأ للشيخوخة البيولوجية، خصوصاً وفق ساعتي GrimAge وDunedinPACE اللتين تتنبآن بخطر الوفاة والتدهور الفسيولوجي. كما ارتبطت الميزة الاجتماعية بمستويات أقل من الالتهابات المزمنة، وكان التأثير أوضح في مؤشرات الإنترلوكين-6.
الروابط الاجتماعية مثل حساب التقاعد
شبه البروفيسور أونغ الروابط الاجتماعية بحساب التقاعد قائلاً: “كلما بدأ الفرد مبكراً في بناء علاقاته واستثمر فيها باستمرار، كانت العوائد أكبر. هذه العوائد ليست عاطفية فقط، بل بيولوجية أيضاً”.
وأكد أونغ أن ما يميز النتائج هو الأثر التراكمي، فالصحة الجيدة ليست نتاج صداقات الحاضر فقط، بل ثمرة تراكم شبكة اجتماعية ممتدة ومتجذرة عبر الزمن.
قيود البحث وآفاق مستقبلية
يشير الباحثون إلى أن الدراسة اعتمدت على بيانات مقطعية في لحظة زمنية واحدة، ما يعني أنها لا تثبت بالضرورة علاقة سببية مباشرة. فقد يكون الأشخاص الأصحاء بطبيعتهم أكثر قدرة على تكوين شبكات اجتماعية واسعة. كما يمكن لعوامل أخرى مثل الوراثة أو الصدمات المبكرة أن تؤثر في كل من الصحة والعلاقات الاجتماعية.
ويدعو الخبراء إلى مزيد من الدراسات الطولية التي تتابع الأفراد عبر الزمن، إضافة إلى طرق أدق لقياس استجابات الجسم للتوتر، مثل عينات اللعاب المتكررة خلال اليوم.
تؤكد هذه النتائج أن التقدّم في العمر ليس مجرد مسألة جينات أو نمط حياة فردي، بل يرتبط أيضاً بجودة وعمق الروابط الاجتماعية. فالعلاقات الإنسانية، كما تقول الدراسة، قد تكون أحد أسرار الشيخوخة الصحية والحياة الأطول.