"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

بين "الأسد المشرئب" و"قتال الملائكة".. إنه زمن حروب الأساطير المقدّسة يا عزيزي

كريستين نمر
السبت، 5 يوليو 2025

بين "الأسد المشرئب" و"قتال الملائكة".. إنه زمن حروب الأساطير المقدّسة يا عزيزي

مشهد لافت من “الروحانية المسلّحة” يعيدنا إلى زمن الأساطير، ويجسّد تداخلاً خطيرًا بين الرمزية الدينية والواقع الدنيوي. هذا التداخل برز بوضوح في التسمية التي اختارتها إسرائيل لحربها ضد إيران “الأسد المشرئب”. وفي تصريح الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم خلال أحد خطاباته العاشورائية قال إنّ “الملائكة تحارب معنا”.

وفي حين استقت الحكومة الإسرائيلية تسميتها من النص التوراتي سفر العدد ٢٣:٢٤: “هوذا الشعب يقوم كأسد عظيم، ويرفع نفسه كأسد شبل لا يضطجع حتى يأكل الفريسة ويشرب الدم”، نبع كلام قاسم من العقيدة الشيعية المشار إليها في معركتي بدر وكربلاء، حيث يُروى عن حضور الملائكة في المعارك إلى جانب المؤمنين.

إلا أن المرعب في الأمر عند طرفي النزاع، هو في تحويلهما القتل إلى أمر “مقدّس”، وتعاملهما مع الحرب وكأنها تنفيذ لإرادة ربّانية، فلا الجنود من الإنس ولا الأسلحة المستخدمة يمكن المساس بها، ولا الحسابات السياسية ميدانية، ليغدو أي نقاش أو مراجعة داخل البيئة الحاضنة لكل طرف، تكفير وتخوين… فمن يجرؤ على انتقاد “أسد توراتي” أو مساءلة قائد تقاتل “الملائكة إلى جانبه”؟

في علم النفس السياسي، حين يُغلّف الخطاب السياسي بالهيبة الدينية ويُلَبّس ثوب القداسة، تتقلّص مساحة النقد ويضيق هامش الحرية، ويخرج الجدل من دائرة العقلانية السياسية، لأنّ أي اعتراض أو تساؤل أو نقاش يهدّد صاحبه بالإلغاء.

قد يشكّل الدين لدى الكثيرين، مصدرًا للاستقرار النفسي والأخلاقي، لكن متى تمّ توظيفه سياسيًا أو سلطويًا يتحوّل إلى أداة للضبط والإذعان، فمن خلال عبارة الشيخ نعيم قاسم “الملائكة تحارب معنا”، يتضح أن شرعية القتال لا تُستمد من الواقع الميداني أو من توازن القوى أو من الخطط الاستراتيجية ولا من المؤسسات ولا من الدساتير، بل من الغَيْب، وكأن الإيمان وحده يكفي لصناعة النصر المرتجى. وهذا بالتحديد ما تسعى إسرائيل إلى تحقيقه بتسمية حربها بـ”الأسد المشرئب”، أي تكريس قداسة المعركة، وحماية قرار الحرب من أي معارضة داخلية. وفي كلا النموذجين، تتغلّب اللاعقلانية على المنطق، وتتقدّم المشاعر على المعطيات، ويتفوّق الاتكال على الغيب على قراءة الوقائع.

الفرق والقاسم المشترك بين التسميتين

وعلى الرغم من أن “الخطاب الملائكي” لقاسم و”التسمية التوراتية” لنتنياهو ينبعان من منطلق “إيماني”، إلا أن ثمة فرقا كبيرا بينهما، فالأول موجَّه إلى بيئة مهزومة ومشرَّدة، أبناؤها يتامى، نساؤها أرامل، أمهاتها ثكالى وشبابها قتلى أو معوَّقون، هدفها التغطية على الخسائر الفادحة للمحور الذي ينتمي إليه خطيبها، وللتغاضي عن الضغوط الدولية، بينما الثانية يتفاخر مطلقها من خلال تماديه في القتل بأنه يسعى إلى تأمين السلام والأمن والطمأنينة والهناء لشعبه.

أما القاسم المشترك بينهما هو أن أثرهما يتجاوز الإطار الديني ليُفضي إلى خطاب دوغماتي (عقائدي) داخلي يفرض نفسه كواقع سياسي ضاغط، وبهذا يصبح الرأي النقدي ضربًا من المجازفة، إذ تُخنق من خلاله أي محاولة لطرح بدائل واقعية، فيولّد انفصامًا بين الواقع الخيال، ويُعمّق التبعية الفكرية ويكرّس الولاء الأعمى.

وعليه، فإن ما يبدو ظاهريًا صراعًا دينيًا، هو في الجوهر ضرب لطبيعة الدولة والمجتمع، أي بين من يسعى إلى إقامة دولة مدنية تعددية، ومن يدفع نحو تحويل كل معركة سياسية إلى حرب مقدّسة لا يجوز المساس بها.

المقال السابق
كيف علق نواف سلام على عراضة حزب الله المسلحة في بيروت؟
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

قضى تحت عجلات قطار سريع.. مصرع لاعب مصري

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية