في إحدى مقابلاته التلفزيونية قال الفنان والموسيقى الراحل زياد الرحباني: “إذا أردت أن تختصر لبنان في آخر 60 سنة، يمكن اختصاره بشخصين: فيروز وحسن نصرالله”.
عبارة (بالطبع فيما يتعلّق بحسن نصرالله) كانت كفيلة بإشعال عاصفة من الجدل في بلد تتنازع فيه الطوائف والانتماءات، وتُوزن فيه المشاعر بميزان الأحزاب والزعماء، لكنها مرت، كغيرها من تصريحاته، تحت عنوان واحد اعتاد عليه الجميع: “هذا زياد”.
في مماته كما كان في حياته، بقي زياد استثناءً لبنانيًا نادرًا، لم يُجمع اللبنانيون على أحد منذ سنوات طويلة كما أجمعوا عليه، هو الذي لم يكن يومًا محايدًا، غنّى له اليساريون كما البورجوازيون، وفي مماته، بكاه من يعادي الممانعة تمامًا كما من يرفع رايتها، كان صريحًا بمواقفه، هاجم علنًا كل من يعاديها، انتقد أشخاصًا بالمباشر والأسماء، ومع ذلك لم يمنعهم ذلك من التعبير عن شعورهم الصادق بخسارته.
قد يكون السرّ في ذلك أن زياد، رغم وضوح خياراته، كان فنانًا أولًا وأخيرًا، حوّل السياسة إلى كوميديا، والخيبة إلى ضحكة، كان يضحك على نفسه قبل خصومه، وهل هناك من كوميديا أصدق من تلك التي يضحك فيها المرء على ذاته؟
لم يكن زياد مجرد فنان عبقري بصم وجدان الناس بموسيقاه وكلماته فحسب، بل كان أحد القلائل الذين نجحوا، بفنه وروحه الساخرة العميقة، في مدّ جسور غير مرئية بين اللبنانيين.
في زمنٍ بلغ فيه الانقسام اللبناني ذروته، واصطفت فيه الطوائف والمواقف على خطوط تماس متقابلة، فتح موت زياد الرحباني جرحًا غير متوقّع، وشكّل حالة استثنائية قد تكون نادرة، أعاد التذكير بندرة الأشخاص الذين استطاعوا أن يُ شبهوا الجميع في آن، أن يخاطبوا كل الأطياف من دون أن يدّعوا الحياد، وأن يتركوا في كل بيت لبناني أثرًا، مهما اختلفت انتماءاته.
زياد، ببساطة، جمع ما فرقته السياسة، وأحبّه الناس لأنهم وجدوا فيه ما يشبه تناقضاتهم وجنونهم وحنينهم المتألم لوطن ما زالوا يحلمون بأن يجتمعوا فيه.