"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

"يا غيرة الدين"... حين تُستَغل الطائفية كسلاح شعبوي

كريستين نمر
الثلاثاء، 22 يوليو 2025

 "يا غيرة الدين"... حين تُستَغل الطائفية كسلاح شعبوي

في ظلّ أحداث السويداء الأخيرة، برزت شخصيّات لبنانية مثيرة للجدل، تتنقّل بسهولة بين خطابٍ طائفيٍّ تصعيديٍّ من جهة، وتودّد طائفيّ من جهة أخرى، في مشهدٍ يُجسّد قدرًا كبيرًا من الانتهازية السياسيّة. وقد شكّل وئام وهاب مثالًا صارخًا لهذا النمط، إذ تبنّى خطابًا ميليشياويًا متوترًا تحت شعار “يا غيرة الدين”، تخلّله تهجّم على طائفة بأكملها، قبل أن يحاول لاحقًا التراجع، عبر نشر تسجيلات تُظهِر “تسامحًا” بين أفراد من تلك الطائفة. هذا السلوك عكس بوضوح توظيفًا انتقائيًا للخطاب الطائفي، بحسب الحاجة والظرف.


السلوك الانتهازي… آليّة للاستغلال السياسي

هذا التناقض لا يمكن اعتباره سلوكًا عابرًا، بل يُجسّد استراتيجية محسوبة. فاعتماد الخطاب الطائفي من قبل بعض الشخصيات كأداة تعبئة سياسيّة عند الحاجة، ثم تغليفه برسائل “تهدئة” ليس وليد مراجعة أو ندم، بل هو بدافع الخوف على حياة صاحبه ومحيطه. إنه نمط انتهازي يُوظّف الانقسام والهويّة الطائفية لـ”شدّ العصب”، ويفسح المجال لحجز موقع سياسي أو إعادة تموضع في مشهد متحوّل.

في علم النفس السياسي، يُمكن تصنيف هذا السلوك بأنه “تعويضي”، حيث يلجأ بعض الأفراد إلى العدائيّة والتصعيد العلني للتغطية على مشاعر قلق داخلي ناتج عن فقدان السيطرة أو طموح مفرط. فالخطاب الحادّ لا يُعبّر بالضرورة عن قوّة، بل يُمكن قراءته كآليّة دفاعيّة ضد شعور بالتهميش داخل البيئة أو الطائفة، يدفع صاحبه إلى استعراض مبالغ فيه للقوّة لتجنّب مشاعر الضعف والعزلة السياسيّة.

كما أن تبنّي خطاب مزدوج، يتراوح بين التحريض والتسامح، يُشير إلى شخصيّة ذات تمركز عالٍ حول الذات، تسعى للبقاء في لعبة تتجاوز حجمها، مستخدمةً أدوات “الاستثارة النفسيّة للجماعة” تارة و”التبرير العقلاني” تارة أخرى. وهي سمات تتقاطع مع ما يُعرف في علم النفس السياسي بشخصية “الفاعل الشعبوي المتقلّب”.

غياب الدولة

إلا أن الخطورة في هذا كله تكمن في أنّ هذا النوع من الأداء لا يُواجَه بأي ردع مؤسّساتي. فالدولة، الغائبة عن فرض هيبتها، وعن محاسبة من يتجاوزون “الخطوط الحمراء” في الخطاب العام، تُفسِح المجال لتنامي نفوذ ما يمكن تسميته بـ”الزعامات المتوحّشة”، أولئك الذين يملؤون فراغ الدولة بالميليشياوية، ويستعيضون عن القانون بالتحريض، والشتيمة، والاصطفاف.

ويبقى الأمل بأن تستفيق الدولة من غيبوبتها، فتستعيد هيبتها ومؤسساتها، وتكبح هذا الانفلات، وتردع كل من يعبث بالنسيج الوطني تحت شعارات شعبوية ومصالح ضيّقة.

المقال السابق
خلاصة زيارة برّاك إلى لبنان: مهلة أميركية لتسليم السلاح وغياب ضمانات للانسحاب الإسرائيلي
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

عن ٢٠ عاماً.. وفاة قريبة الأميرين ويليام وهاري

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية