كتبت الدكتورة جمانة الشهّال تدمري
نداء مفتوح إلى فخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس مجلس الوزراء
فيما يستعدّ لبنان لصيفٍ استثنائي، تزدهر فيه السياحة وتنتعش فيه المدن الساحلية والجبلية، تبقى طرابلس خارج ا لمعادلة، كأنها ليست جزءًا من هذا الوطن. تُترك، كما في كل مرة، في الظل. تُوصَف بـ”الحالة الخاصة”، وكأنها عبء ثقيل على الدولة، أو استثناء دائم لا يستحق النظر إليه.
لكنّ السؤال اليوم أكثر إلحاحًا من أي وقتٍ مضى: لماذا تبقى طرابلس محرومة؟ ولمصلحة مَن؟
طرابلس، المدينة التراثية الثانية في العالم بعد البندقية، تُنهب يوميًا على مرأى من الجميع. أبنيتها القديمة تُهدم بصمت، تراثها يُباد، تاريخها يُمحى، دون أن يرفّ جفنٌ للدولة. مدارسها العريقة تتساقط، حرفيًا، كما حصل أمس حين انهارت مدرسة تاريخية في قلب المدينة، وكأنها لا تستحق حتى شريطًا أصفر يحذّر من الخطر.
طرابلس اليوم مدينة يتيمة. لا سياسة حضرية، لا رقابة، لا خطط إنمائية، ولا نيّة حقيقية لإخراجها من الظلمة. أما قلبها التراثي – الأسواق، الخانات، الحمّامات، البيوت العثمانية والمملوكية – فهو محكوم بسلطة الأمر الواقع. مجموعاتٌ منظمة تمسك بالمفاصل، تتحكم بحياة الناس، وتمنع أي نهضة أو تطوير. نتساءل بمرارة:
هل أصبح التخلي عن طرابلس جزءًا من صفقةٍ تُعَدّ للمنطقة؟
هل يُراد لهذه المدينة أن تبقى رهينة الفقر، والجهل، والبطالة، والتبعية؟
هل من الطبيعي أن تكون المدينة التي تمتلك أكبر مخزون تراثي وعمراني في لبنان بلا سياحة، بلا استثمار، بلا أفق؟
كلما تجوّلتَ في شوارعها، شعرتَ بأنك تمشي في مدينة مهجورة من الدولة. أحياء بأكملها تعيش على الهامش، سكانها في فقرٍ مدقع، شبابها بلا عمل، أطفالها بلا تعليم، وكرامتها تُسحق يوميًا.
والأدهى من ذلك، أن المجتمع المدني غائب أو نائم. النخب صامتة، المواطنون الطرابلسيون أنفسهم هجروها أو استسلموا، والسياسيون الذين مرّوا عليها لم يخلّفوا سوى مزيدٍ من الخراب. حتى التدخلات الإقليمية والدولية أسهمت في تهميش المدينة، وجرّتها إلى حروب لا تخصّها، فأضاعت هويتها وخسرت مواردها.
ومع ذلك، تبقى طرابلس المدينة التي تحمل في طياتها أكبر إمكانيات النهوض. موقعها الجغرافي، ثروتها البشرية، غناها الثقافي، ومرفأها المُهمَل… كلها عوامل تجعلها الركيزة الأهم لأي مشروع وطني حقيقي. من هنا، نتوجه إلى فخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس مجلس الوزراء:
كفى تجاهلًا لطرابلس.
كفى وعودًا لا تُنفَّذ.
كفى تسمياتٍ فارغة من قبيل “الحالة الخاصة”، وكأنها عذرٌ للتقاعس.
طرابلس ليست “حالة”، إنها مدينة لبنانية تستحق الحياة، والاستثمار، والحماية، والرؤية المستقبلية.
ننتظر منكم موقفًا حازمًا، والتزامًا واضحًا، وخطة إنقاذ شاملة، قبل أن نصل إلى نقطة اللاعودة. طرابلس تنادي، فهل من يُجيب؟