"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

ذاكرة الرصاص وفرصة الدولة | رشا الحلبي

نيوزاليست
الخميس، 14 أغسطس 2025

ذاكرة الرصاص وفرصة الدولة | رشا الحلبي

رشا الحلبي

في بيروت، المدينة التي اعتادت أن تستيقظ على قرارات تأتي دائماً متأخرة، أقرّت الحكومة قبل أسبوع قراراً بدا بديهياً: نزع السلاح وحصره بيد الدولة. القرار الذي طال انتظاره كأنّه اعتراف متأخر بأنّ شيئاً ما كان ينبغي أن يحدث منذ عقود. والسؤال الذي يفرض نفسه ليس في تفاصيل التنفيذ، بل في الخيال: ماذا لو أنّ السلاح بقي بيد الدولة منذ البداية؟

لو أنّ البنادق لم تغادر حضن الشرعية يوماً، لكان تاريخ لبنان الحديث قد اتخذ مساراً آخر. الحرب الأهلية كانت لتتوقف فعلًا مع اتفاق الطائف، لا أن تُمدَّد بأسماء وأقنعة مختلفة. المخيمات الفلسطينية لم تكن لتتحوّل إلى جزر خارجة عن القانون، ولا ليُعاد إنتاج مشاهد الرعب في نهر البارد أو عين الحلوة. لم تكن شوارع بيروت لتُغلق في 7 أيار 2008 بأمر فصيل واحد، ولا كان المطار ليُصبح ورقة ضغط في معركة سياسية داخلية. كانت طرابلس ستبقى مدينة للتجار والبحر، لا ساحة لاشتباكات موسمية بين جبل محسن وباب التبانة. وبغياب السلاح المتفلّت، كان يمكن لسلسلة الاغتيالات التي التهمت الحياة السياسية أن تكون أصعب بكثير على التنفيذ، وربما كان السياسيون والكتّاب والصحافيون قد عاشوا أطول ليُكملوا رواية البلد الناقصة. ولعلّ اللبنانيين كانوا سيكبرون بثقة أكبر بمؤسسات دولتهم، بدل أن يتعلّموا أنّ الحماية الحقيقية لا تأتي من الدستور بل من مرجعية السلاح.

والأخطر أنّ لبنان لم يكن ليُستدرج مراراً إلى حروب لا قرار له فيها، بذرائع “الإسناد” أو شعارات تتبدّل كل مرة فيما النتيجة واحدة: دماء ودمار ومزيد من الانقسام. تلك الحروب التي فُتحت جبهاتها تحت غطاء “مقاومة” لم تنجح في تحرير وطن، بل كبّلته أكثر بعزلة دائمة ورهنته لصراعات لا يملك قراره فيها.

أما الاقتصاد، فلم يكن ليُدفع ثمن الصراع الإقليمي. المصارف ما كانت لتُعاقَب، والاستثمارات ما كانت لتُحجِم، والعزلة ما كانت لتلتف حول بلدٍ يملك كل مقومات الانفتاح. كان لبنان ليُقدَّم للعالم كنموذج دولةٍ خرجت من الحرب الأهلية إلى المدنية، بدل أن يبقى مسرحاً للفصائل وتجارب المحاور.

لكنّ ذلك كلّه لم يحصل. بقي السلاح خارج الدولة، يفرض إيقاعه على السياسة والاقتصاد والمجتمع.

واليوم، حين يُعلن قرار حصر السلاح بيد الشرعية، يبدو المشهد كمن يضع حجر الأساس بعد أن اكتمل البناء… أو الخراب. ومع ذلك، قد يكون هذا الاعتراف المتأخر بداية مختلفة، محاولة لإخراج لبنان من زمن “لو” الطويل، إلى زمن “الآن”.

السؤال ليس عمّا ضاع، بل عمّا إذا كان بالإمكان أخيراً بناء وطنٍ لا يحتاج مواطنوه إلى تخيّل بدائل افتراضية ليصدّقوا أنّه ممكن.

المقال السابق
بعد وفاة شخصين.. فرنسا تسحب أنواعًا من الجبن من الأسواق
نيوزاليست

نيوزاليست

newsalist.net

مقالات ذات صلة

قمة ألاسكا.. ماهي "صفقة الكنز" التي وعد بها ترامب بوتين لإغرائه؟

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية