"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

"مقارنة بين شخصيتي نصرالله "القائد" وقاسم "المنسّق

كريستين نمر
الاثنين، 6 أكتوبر 2025

"مقارنة بين شخصيتي نصرالله "القائد" وقاسم "المنسّق

مع كل إطلالة إعلامية للأمين العام الحالي لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، تبدأ المقارنات تلقائيًا بينه وبين سلفه الراحل السيد حسن نصرالله، فالاكاريزما الطاغية التي كان يتمتع بها نصرالله وقدرته على جذب الجمهور والتأثير فيه، غالبًا ما تُوضع في مواجهة أداء قاسم المتّسم بالملل والتحفّظ، والذي يراه كثيرون أقرب إلى الخطاب الوعظي الديني منه إلى خطاب القيادة السياسية التعبوية.

حتى أن أوساط من داخل بيئة الحزب بدأت تخشى من هذا التباين الواضح في مستوى التأثير الجماهيري بين القيادة السابقة والحالية، ولاحظ مراقبون أن قناة “المنار” التابعة لحزب الله، استخدمت في إحدى إطلالات الشيخ نعيم قاسم لقب “حجّة الإسلام والمسلمين”، في خطوة رأوا فيها محاولة لإضفاء مزيد من الهيبة الدينية والرمزية على شخصيته، لتعويض ما يعتبره البعض ضعفًا في الكاريزما السياسية.

لكن قبل الدخول في تفاصيل المقارنة، لا بدّ من التذكير باختلاف الظرف والزمان بين قيادة نعيم قاسم الحالية، وتلك التي خاضها حسن نصرالله على مدى عقود. فقد عمل نصرالله، طوال فترة زعامته لحزب الله، على ترسيخ صورة “الأمل الذي لا يُهزم” في وعي جمهوره، رابطًا مشروع المقاومة ببعد استراتيجي يتجاوز حدود لبنان إلى العمق الإقليمي.

أما نعيم قاسم، وبعد سلسلة الانتكاسات التي مُني بها الحزب عسكريًا وسياسيًا، فلم يعد هدفه يتعدّى الحفاظ على تماسك حزبه، فهو يسعى عبثًا، في خضمّ ذلك، لفرض هيبة يفتقر إليها أساسًا.

في مقارنة معمّقة بين شخصيتي السيد حسن نصرالله والشيخ نعيم قاسم، واستنادًا إلى تحليل عدد من خطاباتهما، يتبيّن ما يلي:

أولاً: في الأسلوب والبلاغة:

نصرالله الذي كان خطيبًا مفوّهًا، تميّز بفصاحة لافتة وفن خطابي مفعم بالعاطفة، فكان يعرف متى يمزج بين التصعيد في اللحظات المفصليّة لشدّ الجمهور، والإيقاع البطيء ومتى يكثر من العبارات التي تترك صدى وجدانيًا كـ: “نحن لا نُهزم”، ” كما وعدتكم بالنصر دائمًا أعدكم به مجدّدًا” “المقاومة باقية”، و”الدم ينتصر على السيف”… هذا الأسلوب منحه حضورًا شعبيًا قويًا، وجعل من كلماته محطات تعبئة جماهيرية بامتياز.

في المقابل، يعتمد نعيم قاسم على خطاب هادئ منظّم، يغلب عليه الطابع الديني، مع التركيز على مفردات مثل: “القاعدة الشرعية”، “الإيمان”، “المقاومة”، “الواجب”، و”الالتزام”… بلغة تفتقد إلى الجاذبية العاطفية، ما يجعل حضوره أقرب إلى المقرّر التنظيمي منه إلى الزعيم الجماهيري.

ثانيًا: في توزيع المسؤولية:

في خطاباته، كثيرًا ما استخدم نصرالله، ضمير المتكلّم “أنا” خصوصًا في لحظات التحدّي، ليظهر كقائد يتحمّل المسؤولية، والذي كان أحيانًا يدمجه بـ”نحن”، في إشارة إلى وحدة “المقاومة والمحور”، ليؤكد لبيئته أنّ قراره شخصي وجماعي في آن.

أما قاسم، فيستخدم “نحن” بشكل مكثّف، لترسيخ الانتماء الجماعي داخل الحزب، مع إسقاط المسؤولية دائمًا على الآخر، مثلًا: “العدو الإسرائيلي”، “الأطراف الخارجية”، “الحصار” “المتآمرون على المقاومة”… فيسعى بهذه الطريقة أن يُبقي حزب الله في موقع رد الفعل لا الفعل، ويخفف من وقْع القرارات الصعبة على قاعدته الشعبية.

ثالثًا: في الاعتراف بالخسائر:

لم يكن نصرالله في خطاباته يتردد في الاعتراف بالخسائر الناتجة عن الضغوطات العسكرية أو السياسية، لكنه سرعان ما كان يضعها في إطار “الاختبار” الذي يُمهّد للنصر.

في حين أن قاسم يُقارب الهزائم باعتبارها مراحل ظرفية، ويُعيد توجيه الخطاب نحو الإيمان والصبر كوسيلتين لتجاوزها. وغالبًا ما يُقلّل من حجم الخسائر، أو يُحيطها بسياق “استثنائي” لتبريرها.

رابعًا: في الزمن والسياق:

طوال أربعة عقود، وظّف حسن نصرالله في إطلالاته الرموز الدينية والجغرافية من عاشوراء إلى يوم القدس وغيرها لخلق بُعد وجودي للمقاومة يربط الماضي بالحاضر والمستقبل، مما جعل خطابه أشبه بمرجعية تُؤسّس لهوية الحزب وروحه التعبوية.

أما نعيم قاسم، وعلى الرغم من استخدامه الرموز نفسها، فإن خطابه ينصبّ على تأكيد استمرارية الحزب، من خلال التشديد على عدم المساس بسلاحه، وتركيزه على إعادة ضبط الهيكل الداخلي، في مرحلة يُنظر إليها على أنها إعادة تموضع بعد سلسلة ضربات مؤلمة.

في المحصّلة، تُظهر المقارنة انتقال حزب الله من زعامة كاريزماتية وتعبوية مع نصرالله، إلى قيادة أقرب إلى “المنسقية” مع قاسم، بالكاد تُمسك بخيوط الداخل، بعدما كان تأثير الحزب يتجاوز الحدود.

المقال السابق
في ذكرى حرب أكتوبر: سوريا تُلغي يوم الغفران وتُضيف عيد سقوط الأسد
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

كيف يمنع الجسم نفسه من مهاجمة ذاته؟ اكتشاف علمي يفوز بجائزة نوبل للطب

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية