"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

من إنجاز الانتخابات إلى تاكسي المطار... دولة ال "ع الوعد يا كمون"

كريستين نمر
السبت، 18 أكتوبر 2025

من إنجاز الانتخابات إلى تاكسي المطار... دولة ال "ع الوعد يا كمون"

في زيارته الأخيرة إلى بلدة برجا، طمأن وزير الداخلية والبلديات الشعب اللبناني بأن الانتخابات النيابية المقبلة ستُجرى في موعدها.

‎قد يبدو تصريحه، الذي تصدّر عناوين الصحف والأخبار العاجلة، مُطمئنًا في ظاهره، لكنه يثير في الجوهر سؤالًا بسيطًا: كيف يمكن للمرء أن يثق بحكومة عاجزة عن اصلاح أمور بسيطة تعنى بحياة المواطن، على اجراء استحقاقات دستورية نزيهة وفاعلة؟ وما نفع الانتخابات إذا كان الطريق إلى الصناديق محفوفا بالتلوث والمخاطر والخديعة والتزوير والاستغلال ؟!

‎وعليه، هل تكمن معاناة اللبنانيين بإرجاء الانتخابات، أم بغياب الدولة، قبل إجرائها وبعده؟ أليست الانتخابات البلدية التي أجريت منذ خمسة أشهر “في موعدها”، وسط احتفاء رسمي بهذا “الإنجاز”، خير دليل على دولة تهتم بأمور كثيرة فيما المطلوب واحد؟

‎أين الإنجازات التي وُعدنا بها؟ هل حُلّت معضلة النفايات التي تملأ الشوارع؟ هل توقفت آلة الموت عن حصد عشرات المواطنين شهريًا على الطرقات المظلمة، وفي ظل غياب أي فاعلية قانونية وميدانية لرجال الشرطة والدرك الذين تمر المخالفات الخطرة تحت أعينهم، وهم، بأوامر رؤسائهم، لا يُبصرون؟

‎مما لا شكّ فيه أنّ المشكلة أعمق من مواعيد استحقاق دستوري، لأنّ الأزمة هي أزمة إدارة منحلة ورقابة عمياء!

‎من الأمثلة الصارخة على ذلك، ما حصل معي في مطار رفيق الحريري الدولي فور وصولي إلى بيروت، إذ اقترب مني أحد الأشخاص وسألني: “تاكسي؟” وبمجرّد إجابتي بالإيجاب، أجرى اتصالًا سريعًا وقال بثقة: “دقيقة واحدة وأحلى سيارة بتكون بتصرّفِك”، وحين سألته إن كان من السائقين المعتمدين، أجاب بسرعة: “أكيد!”، محاولًا طمأنتي ببطاقة صغيرة أخرجها وأعادها بسرعة البرق من جيبه من دون التمكّن من قراءة فحواها.

صدقته. كان كل شيء يجري على مرأى ومسمع عدد من رجال الأمن المفترض بهم حماية المسافرين من كل أنواع الخديعة والاستغلال؟

‎وبعد انتظار دام لأكثر من عشر دقائق دون أن تأتي السيارة، عاد إليّ قائلًا: “التاكسي ناطرتنا بالموقف… اخترتلك شي بليق فيك، وهيك أسرع بلا ما يجي الشوفير لهون”.

‎تبعته من دون حذر، بعد تأكدي من سماع رجل الأمن المبتسم برضى لأقواله.

وصلتُ إلى السيارة- التي وُعدت بـ”أنها تليق بي”- فإذ بها قديمة ومتّسخة ككثير من

تاكسيات لبنان، بالكاد تصلح لنقل الركّاب، وبعد دقائق من الانطلاق، توقف السائق فجأة على جانب الطريق من دون أي سابق انذار. ترك المقود لآخر كان ينتظر على القارعة قائلًا: “بابا، أوصل الطلبية لهالعنوان، أنا لازم روح جيب الأولاد من المدرسة”.

‎جلست - أنا الطلبية- مذهولة في المقعد الخلفي، مسلّمة أمري وسلامتي لله وأنا أفكّر ليس فقط إذا كان “البابا” والده الحقيقي، بل كيف تُترك صورة البلد بين أيدي أشخاص يتعاملون مع الزائر كفرصة للربح؟

‎أين قرار الدولة بتنظيم هذه الخدمة الحيوية التي وُعِدنا به؟ أين التسعيرة الرسمية؟ أين الرقابة؟ ما حدث لا يمكن وصفه إلا بأنه “عبث منظّم”، يختصر غياب الدولة عن أبسط مفاصلها الخدماتية.

‎ ويبقى السؤال عن جدوى التبجّح من انتخابات قد تُبدّل الوجوه لكن يستحيل في ظل هذه المعطيات أن تُبدّل الواقع؟

‎قد يكون من المفيد احترام المواعيد الدستورية، لكن يبقى الأهم احترام عقول الناس وكرامتهم وثقتهم بدولة تنفق ريقها على ما تعجز عنه أياديها!

المقال السابق
بخدعة بسيطة.. عصابات صينية تسرق مليار دولار من جيوب الاميركيين
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

بخدعة بسيطة.. عصابات صينية تسرق مليار دولار من جيوب الاميركيين

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية