"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

من دبكة إليسا إلى بوسة كوليت... الإعلام اللبناني يرقص على إيقاع عرس سيليو

كريستين نمر
الخميس، 17 يوليو 2025

  من دبكة إليسا إلى بوسة كوليت...  الإعلام اللبناني يرقص على إيقاع عرس سيليو

حين اختارت إليسا أن تشارك برقصة دبكة في زفاف سيليو إيلي صعب على الحسناء زين قطامي، لم تكن تتوقّع ربما أن تتحوّل هذه الحركة العفوية إلى عاصفة إعلامية تجتاح المنصات، إذ سرعان ما انهمرت الفيديوهات مرفقة بتعليقات تتراوح بين الإعجاب والذهول والاتهام بالخروج عن “الوقار”، وكأنها ليست فنانة استعراضية منذ أكثر من ثلاثة عقود، بل راهبة قررت فجأة خلع ثوب الكهنوت لتشارك في رقصة، فنافست أخبار المجازر والقتل والدمار والنزوح والجوع…

وبينما كانت الصحافة مشغولة بخيوط تطريز فستان أم العريس، كانت أخرى تقارن طول العروس بطول سلفتها، وثالثة تحلّل بوسة (قبلة) كوليت الحلاني على وجنتي زوجها عاصي و”حفّة” يدها على ظهره… وكأننا أمام حدث وطني أو وثائقي يتناول آخر الاكتشافات العلمية.

قد يكون من البديهي وسط هذا الركود في الأخبار المفرحة، أن تتحوّل رقصة أو قبلة عفوية لأشخاص مشهورين في عرس خاص إلى مادة دسمة للنقاش الافتراضي، ولكن من غير المسموح أن تصبح فتات اللحظات التلقائية أحد أهم مكوّنات موادنا الإعلامية وخبرًا رئيسيًا على صفحاتها، فتصنع من كل انفعال طبيعي أو حركة عادية، محتوى بلا جودة، حتى ولو كانت الصحف والمجلات والمنصات بحاجة دائماً إلى “قضية الأسبوع”، لجلب “النقرات”.

إنّ هذا التراجع الحاد في المحتوى الإعلامي وسط طوفان من الأخبار السطحية والعناوين الصادمة والبرامج التي تلهث خلف الإثارة لا الحقيقة، حوّلت الصحافة بأطيافها الثلاثة من سلطة رابعة تُسائل، إلى مسرح ترفيهي “يُسلّي”.

فهل “الجمهور عايز كده” فعلًا؟ وهل هو بهذه السخافة حقًا؟ فبين الزفاف والدبكة والثياب والحضور وربما لا قدّر الله بعد فترة الطلاق، ضاعت ملفات الاقتصاد المنهار، وتراجعت أزمات الصحة والتعليم والبيئة إلى أسفل القائمة، لتُستبدل بآخر صيحات الرقص والقبلات واللمسات…

مما لا شكّ فيه أنّ جزءًا كبيرًا من المشكلة لا يقع على عاتق الإعلاميين ومنصات النشر فقط، إنما أيضًا على المتلقي، الذي بات ينجرف وراء المحتوى السريع والسهل والبعيد عن أي عمق، فحين ينخفض الطلب على البرامج التحليلية أو الثقافية، تستجيب المؤسسات الإعلامية لذلك تلقائيًا، “نحن نعطي الجمهور ما يريده، لا ما يحتاجه”، تقول مديرة محتوى في موقع عربي شهير، بنبرة صريحة، وتضيف: “إنّ أعلى الفيديوهات تداولًا هي تلك التي تُظهر مشادة بين نجم ونجم أو عراكًا أو فضيحة أو صراخًا أو كلامًا بذيئًا”.

يعني، هل أصبح الإعلامي خاضعًا لسلطة “الخوارزميات”، و”اللا شيء” بات العنوان الأكثر جذبًا؟

كثيرة هي الأسباب التي دفعت بعض وسائل الإعلام إلى الوصول إلى ذلك وقد يكون أهمها:

السباق نحو الشعبية: الإعلام يقلّد السوشيال ميديا

فقد تحوّلت بعض المنصات الإعلامية إلى ما يشبه شبكات التواصل الاجتماعي، حيث تُقاس القيمة بعدد المشاهدات والتفاعلات، لا بالتحليل أو التحقق من المعلومات فباتت، تستخدم العناوين المضلّلة والمحتوى السريع والصور الصادمة، وتحوّل بعض الصحافيين إلى “مؤثرين”، يهمهم عدد المتابعين أكثر من دقة المعلومة.

وفي هذا السياق يقول أحد المحررين في مؤسسة إعلامية لبنانية: “لم يعد يُطلب مني تحقيقات معمّقة، المطلوب عنوان يلفت النظر، وفيديو قصير يثير الجدل… والنتيجة تراجع المحتوى الجاد أمام موجات من “الترندات” والقصص المفبركة أحيانًا”.

الإعلانات تتحكّم بالمحتوى

تعاني معظم وسائل الإعلام من أزمات مالية خانقة، دفع بعضها إلى الارتهان للمعلنين والمموّلين. وفي هذا السياق، بات من المنطق التركيز على محتوى يدرّ الأموال، لا على تحقيقات عميقة هادفة.

ضعف الاستثمار في الكفاءات

بسبب التقشف المالي والتوجّه نحو المحتوى السريع، استغنت بعض المؤسسات عن عدد من الصحافيين المخضرمين، واستعانت بمقدّمي برامج ومحرّرين أقل خبرة.

هل من أمل؟

إذا كان الإعلام قد سقط في فخّ السطحية والتفاهة فالمعادلة ليست بلا أمل، هناك مسارات يمكن السير بها لإنقاذ ما تبقى من مهنية، واستعادة الثقة بين الجمهور والمنصات الإعلامية:

الموازنة بين الجاذبية والمضمون

ليس المطلوب أن يتحوّل الإعلام إلى قاعة محاضرات جافة، ولكن يمكن تقديم المعلومة برشاقة دون الانزلاق إلى التفاهة. فالجمهور، مهما انجذب إلى التسلية، يبقى يُقدّر المحتوى العميق إذا قُدِّم له بأسلوب ذكي ومشوّق.

الاستثمار في الصحافيين بدل التضحية بهم

الرهان على الشباب لا يعني الاستغناء عن أصحاب الخبرة، بل يعني جمع الطاقات، ومن دون صحافي حقيقي، لا يبقى سوى مقدّم “يقرأ من برومبتر”، أو مؤثّر يلاحق التفاعل.

وما بين الدبكة والفستان والقبلة و… هناك بلد يُنهك، وحقوق تُسلب، وواقع يحتاج من يُضيء عليه لا من يبرّجه.

المقال السابق
50 ألف مقاتل من العشائر يتقدمون نحو مدينة السويداء
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

دراسة لناسا: الحياة خارج الأرض من دون ماء... ممكنة

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية