أقرّ مجلس الوزراء اللبناني مساء الثلاثاء، بناءً على اقتراح من رئيس الجمهورية العماد جوزف عون، قرارًا يقضي بنزع اسم حافظ الأسد عن الجادة الرئيسية التي تربط مطار رفيق الحريري الدولي بمدخل العاصمة بيروت، ووضع اسم زياد الرحباني مكانه.
قرار طال انتظاره… ليأتي في وقته
منذ سقوط النظام السوري في ٨ كانون الأول /ديسمبر ٢٠٢٤، طُرحت تساؤلات عن سبب ابقاء اسم حافظ الأسد في قلب بيروت، على طريق يعتبر بمثابة الواجهة الرئيسية للبلاد. فهل يعقل أن يحمل أحد أهم شوارع العاصمة اسم رجل ارتبطت صورته في الوجدان اللبناني بالقمع والخطف والفتك والاخفاء والاغتيالات والوصاية وكل أشكال التدخّل التي أنهكت الكيان اللبناني لعقود؟
القرار تأخر لأشهر غير أن اللحظة السياسية الناضجة بدت وكأنها قد حانت، لحظة تتزامن مع تفكك التحالفات ذات الأجندات الخارجية، وصعود خطاب سيادي يعكس وجدانًا شعبيًا متألمًا من إرث الوصايات الق ريبة والبعيدة… في هذا المناخ، وجد رئيس الجمهورية أن الفرصة مؤاتية لاتخاذ خطوة شجاعة لكنها.. محسوبة
أن يُستبدل اسم حافظ الأسد باسم زياد الرحباني ليس مجرد تفصيل إداري، بل تحول جذري في المعنى بانتظار أن يشمل التغيير المبنى والسلوك السياسي.
فحافظ الأسد هو الاسم الذي فُرض على لبنان بالبطش بينما زياد الرحباني هو الاسم الذي اختاره اللبنانيون بفطرتهم الثقافية، بأغانيهم، بضحكاتهم، وحتى بوجعهم، هو ابن فيروز وعاصي، هو ابن المسرح، وابن الشارع وصوت كل ناقد للسلطة وساخط عليها.
القرار… “ضربة معلّم”
مما لا شكّ فيه أن الخطوة شكّلت ضربة سياسية ذكية بامتياز، فهي لم تأت فقط في توقيت مدروس، بل حملت من الدهاء ما يكفي لمنع أطراف كانت – وربما ما زالت – موالية للنظام السوري من الاعتراض الصريح، فزياد بقي حتى أيامه الأخيرة من المقرّبين من هذا الفريق، بل شكّل لسنوات إحدى واجهاته الثقافية، وبالتالي، فإن هذا القرار قد يجعل نزع اسم الأسد أمرًا مقبولًا، بل مرحّبًا به حتى من الجهات التي قد تعتبره خطوة “استفزازية”، إنها “ضربة معلّم” قد تستثمر في الإجماع على زياد، وفي الوقت ذاته تفكّك “القداسة المفروضة” على أسماء الطغاة.
لبنان يكت ب تاريخه بأسماء جديدة
إن استبدال “جادة حافظ الأسد” بـ”جادة زياد الرحباني” ليس مجرّد تغيير لافتة على طريق، بل هو فعل رمزي عميق يعيد كتابة تاريخ لبنان بأسماء جديدة وبعيون أبنائه الذين يتطلّعون إلى التخلّص من حقبة سوداء من الوصاية، وفي الوقت ذاته تكريم لذاكرته الثقافية، على أمل أن تكون مدخلًا لمزيد من الخطوات التي تعيد للوطن اسمه وهويته وسيادته…