رويترز/ يزور ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان واشنطن غدا الثلاثاء في مهمة لاستعادة مكانته على الساحة العالمي ة وليثبت للرئيس الاميركي دونالد ترامب أن دعم قيادته القوية يستحق الرهان عليه، وذلك في أول زيارة له للبيت الأبيض منذ مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي الذي فجر غضبا عالميا.
ويؤكد اجتماع الثلاثاء بين ترامب والحاكم الفعلي للمملكة على العلاقة القائمة على المصالح الاستراتيجية التي صمدت حتى مع الغضب الذي اشتعل عقب مقتل خاشقجي في عام 2018، قبل أن يتلاشى.
وكان خاشقجي في وقت ما من المقربين للسلطة قبل أن يتحول إلى منتقد لسياسات ولي العهد.
وبعد مرور سبع سنوات، يقدم الأمير محمد بن سلمان نفسه الآن على أنه وسيط للسلام وذلك بإصلاح العلاقات مع إيران والدفع نحو وقف إطلاق النار في غزة والترحيب بعودة سوريا إلى الصف العربي، وهو تحول مذهل لولي العهد الذي وُصف ذات يوم بأنه متهور بسبب انخراطه في حرب اليمن.
وأصبح ولي العهد، الإصلاحي والحاكم المطلق، الزعيم الأكثر بروزا وجرأة في تاريخ المملكة الحديث بقيادة تحولها ورسم مستقبلها.
في الداخل، أطلق ولي العهد البالغ من العمر 40 عاما خلال أقل من عقد ثورة اجتماعية لم تشهدها السعودية منذ أن أسس جده الملك عبد العزيز المملكة وأبرم تحالفها مع واشنطن.
وحدَّ الأمير من نفوذ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي كانت مرهوبة الجانب في السابق، وهمّش رجال الدين وألغى قواعد اجتماعية صارمة دامت لعقود. فالنساء الآن يقدن السيارات ويعملن ويختلطن بحرية مع الرجال - وهي ممارسات كان عقابها الجلد في الماضي.
وتستقبل المملكة الآن، التي فرضت على النساء في السابق ارتداء العباءات السوداء والحجاب، نجوم الغناء وتقيم عروضا للأزياء في الرياض مما يعيد رسم صورة السعودية من دولة دينية متزمتة إلى أمة تتحول سريعا نحو الحداثة.
في مشاهد كان لا يمكن تخيلها قبل بضع سنوات فقط، أثارت جنيفر لوبيز وكاميلا كابيّو الحماس الشديد على مسرح الرياض حيث ارتدت الأولى ملابس ضيقة براقة فيما أدت كابيّو عرضها مرتدية فستانا شفافا. وقدمت عارضات أزياء تصميمات إيلي صعب على الممشى أمام جمهور ضم نجمتي السينما العالمية هالي بيري ومونيكا بيلوتشي.
لكن اليد ذاتها التي منحت المجتمع السعودي تلك الحريات أحكمت قبضتها على السلطة، فسحقت المعارضة وأسكتت المنتقدين وهمشت مراكز قوى منافسة وفككتها.
والرسالة واضحة لا لبس فيها؛ الإصلاح لا يتم إلا بشروط الأمير محمد بن سلمان والولاء له هو الثمن.
عالميا، خرج زعيم أكبر بلد مصدر للنفط من قضية قتل خاشقجي على يد شخصيات أمنية سعودية دون أن ينال منه شيء، وهو اغتيال ربطته الاستخبارات الأمريكية بولي العهد. ونفى الأمير إصداره أمرا باغتياله، لكنه أقر بمسؤوليته عنه بصفته الحاكم الفعلي للمملكة.
وقال المرشح الرئاسي آنذاك جو بايدن إنه يجب نبذ السعودية بسبب قتله. لكن واشنطن مضت قدما في النهاية متجاوزة القضية، تدفعها ملفات الطاقة والدفاع والتكنولوجيا.
وعززت عودة ترامب إلى البيت الأبيض في عام 2025 العلاقات قوة، إذ تمخضت عنها تعهدات استثمارية سعودية بقيمة 600 مليار دولار، وفيض من الثناء، واهتمام مشترك بإبرام اتفاق دفاعي. وعندما يصل الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن، فسوف يلقى نفس الاستقبال المهيب الذي يحظى به أي ولي عهد.
وقال ستيف كليمنز وهو محلل في واشنطن “ستكون هذه أشبه (بلحظة) ما قبل التتويج”، في إشارة إلى أن مستقبل المملكة أصبح الآن في يد أميرها الشاب.
وأشار بول سالم الباحث بمعهد الشرق الأوسط إلى أنه بالرغم من الأزمات الماضية ـ مثل هجمات الحادي عشر من سبتمبر أيلول 2001 التي كان 15 من منفذيها سعوديين ـ فإن الولايات المتحدة والسعودية تظلان مرتبطتين بنفس الحسابات العقلانية التي ترسم علاقاتهما: المصالح المشتركة في مجال الطاقة، والدفاع، والآن الذكاء الاصطناعي.
وأضاف سالم “الذكاء الاصطناعي هو نفط القرن الحادي والعشرين، وأمريكا تحتاج إلى طا قة الخليج ورأس ماله”، مضيفا أن الدفاع هو الذي يرسخ العلاقة، مع تقديم الولايات المتحدة ضمانات أمنية.
يمثل صعود الأمير محمد بن سلمان تحولا من جيل الأبناء إلى جيل الأحفاد. فسيكون الأمير أول عاهل سعودي من أحفاد مؤسس المملكة، الملك عبد العزيز، منهيا بذلك تقاليد راسخة منذ عقود.
ومنذ البداية، صاغ مهمته بعبارات جريئة، إذ قال في عام 2017 بعدما أصبح ولي العهد “70 بالمئة من الشعب السعودي أقل من 30 سنة، وأقولها بكل صراحة: لن نضيع بقية حياتنا في التعامل مع أي أفكار متطرفة، سوف ندمرهم اليوم وفورا”، وتعهد بالعودة إلى “الإسلام الوسطي المعتدل”.
بدأت رحلة صعود الأمير محمد بن سلمان عندما تولى والده الملك سلمان العرش عام 2015 ومنحه مناصب قيادية، منها منصب وزير الدفاع.
وفي عام 2017، أطاح الأمير بابن عمه الأكبر، محمد بن نايف، من ولاية العهد في ما عرف بانقلاب القصر، ليضرب عرض الحائط بتسلسل لطالما تحدد بناء على “الأقدمية الأبوية”. وبث التلفزيون السعودي لقطات للأمير محمد بن سلمان وهو يُقبل يد نايف، في مشهد هدفه الإشارة إلى وحدة تخفي بين طياتها استيلاء على السلطة.
ويهيمن حضوره على الحياة العامة: فصوره تنتشر بالمراكز التجارية واللوحات الإعلانية ووسائل الإعلام المحلية، وتُق دَّم كل مبادرة له على أنها إنجاز رائع. ومع ذلك، لا تزال أساليبه غامضة. فقد أسكتت حملات القمع النقاش حول مدى قدرة طموحاته الاقتصادية على تحقيق أهدافها.
واقتحمت السعودية أيضا الساحة الرياضية العالمية؛ فقد دمجت سلسلة (إل.آي.في) الجديدة للجولف المدعومة من صندوق الاستثمارات العامة السعودي مع رابطة لاعبي الجولف المحترفين، واستقطبت نجوما في عالم كرة القدم مثل كريستيانو رونالدو، وحصلت على حقوق استضافة دورة الألعاب الآسيوية الشتوية لعام 2029 وتقدمت بطلب لاستضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2034.
