"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

لماذا ننجذب إلى القادة المتسلّطين؟

كريستين نمر
الجمعة، 27 يونيو 2025

لماذا ننجذب إلى القادة المتسلّطين؟

في زمن تتكاثر فيه التحديات على كافة المستويات، من الانهيارات الاقتصادية إلى الأوبئة العالمية، يعيد كثيرون النظر في العلاقة بين الحاكم والمحكوم. كيف يتحوّل الخوف إلى قوة دافعة نحو التسلّط؟ ولماذا يبدو أن الحاجة إلى “المنقذ” تتجذر أكثر كلما اشتدّت الأزمات؟

في زمن الأزمات والقلق، يبدو أن منطقتنا تنتقل تدريجيًا من نموذج ديكتاتوري إلى آخر، قد يكون أشد استبدادًا وقمعًا، مدفوعًا بشغف الشعوب بـ”القائد الحازم”.

في الواقع، لا يبدو هذا الميل طارئًا، بل يُعد جزءًا من بنيتنا النفسية والاجتماعية. إذ تشير الأبحاث إلى أن الإنسان مبرمج منذ القدم على تشكيل هرمية اجتماعية، وفي فترات عدم الاستقرار — كالأزمات الاقتصادية أو الكوارث الصحية — تتعزز الحاجة إلى النظام والانضباط، مما يفتح الباب واسعًا أمام الخطابات الاستبدادية.

غريزة البقاء والحكم المتشدد

بحسب مؤشر الديمقراطية العالمي، لم يعد تراجع الديمقراطية ظاهرة محلية. فمنذ العام 2015، بدأت العديد من الديمقراطيات حول العالم تشهد انحدارًا مقلقًا، بالتوازي مع صعود نماذج سلطوية، حتى في دول كانت تُعد معاقل للحرية. ويرى الباحثون أن هذا التراجع مرتبط بالأزمة الاقتصادية العالمية، وتفاقم عدم المساواة، والاضطرابات المناخية، والجوائح كجائحة كوفيد-19، والتي رسخت الشعور بالخوف وفقدان السيطرة، وهما من أهم دوافع التوجه نحو الحكم المتشدد.

أطفالنا يولدون بهرمية في الرأس

المقلق — بحسب الباحثين — أن حب التراتبية يظهر في سن مبكرة جدًا. فقد أظهرت دراسات أن الأطفال في عمر عشرة أشهر قادرون على التمييز بين المهيمن والضعيف من خلال السلوكيات، بل ويتوقعون من الشخص “القوي” التدخل عند وقوع ظلم، وإذا لم يفعل، يُظهرون دهشة واضحة!

من الطفولة إلى السياسة

للأسف، لا تختفي نزعة الهيمنة مع التقدّم في العمر، بل تتحول عند البالغين إلى قابلية متزايدة للطاعة والامتثال. كما بيّنت تجارب العالم الشهير ستانلي ميلغرام، الذي أظهر من خلال دراساته كيف يمكن لأشخاص عاديين المشاركة في أفعال قمعية تحت تأثير أوامر سلطوية.

وفي دراسة أجراها جوهان لوباج، الباحث في مختبر علم النفس بجامعة غرونوبل الفرنسية، يقول: “إن القابلية للشعور بالتهديد لدى هؤلاء المطيعين تفوق المعدل الطبيعي بكثير، فهم أكثر عرضة للتوتر، وأكثر حساسية لفقدان السيطرة”. ويضيف أن “من يسجلون معدلات مرتفعة في مؤشرات الاستبداد يواجهون صعوبة في التعافي من الضغوط، ويعيشون في حالة من الترقب الدائم والخوف المزمن”.

عندما يتقاطع علم النفس مع السياسة

كلما شعر الناس بعدم الأمان، زاد استعدادهم لتفويض السلطة لمن يعدهم بـ”الحماية”، حتى لو كان ذلك على حساب الحريات.

“الاتحاد القاتل”… الزعيم المتسلّط والجمهور الخاضع

يحذر الباحثون مما يُسمى بـ”الاتحاد القاتل”، أي تحالف الزعماء الساعين للهيمنة مع جماهير خائفة تبحث عن منقذ قوي. هذا التزاوج بين الخطاب الشعبوي والجمهور القابل للطاعة يولّد مزيجًا خطيرًا من السياسات المتطرفة والانقسامات العميقة والعنف المحتمل.

حين تصبح العدوى سياسية

يشير لوباج إلى أن التهديدات الصحية، كالأوبئة، تُعزز الاتجاهات الاستبدادية. إذ تُظهر الدراسات أن الخوف من العدوى — في ما يُعرف بـ”النظام المناعي السلوكي” — يعزز احترام السلطة، ورفض الآخر المختلف، ويزيد من الرغبة في تطبيق القواعد الصارمة. وقد لاحظنا ذلك بعد جائحة كوفيد-19 من خلال تزايد الانغلاق والتحفظ المجتمعي.

هل يمكن عكس الاتجاه؟

رغم هذا المشهد القاتم، يعتقد الباحثون أن الثقافة قادرة على مقاومة الميل الفطري للتراتبية، عبر تشجيع الممارسات التشاركية، وتوسيع آفاق اتخاذ القرار الجماعي، وتعزيز قيم العدالة البيئية والاجتماعية. هكذا، يمكن للديمقراطية أن تغرس جذورًا جديدة، حتى في أرض الأزمات.

في النهاية، يبدو أن الطريق إلى مستقبل ديمقراطي لا يمر فقط عبر صناديق الاقتراع، بل أيضًا عبر إعادة تشكيل النفس البشرية وثقافتها الجمعية. مقاومة الانجذاب الغريزي نحو “القائد القوي” تبدأ منذ الطفولة، وتتطلب تربية جريئة، ومجتمعًا يؤمن بالقوة في التعددية، لا في القبضة الحديدية. فهل نملك الشجاعة لنزرع جذور الحرية، حتى في تربة الخوف؟


المقال السابق
كاتس: قررنا اغتيال الخامني ولكن!
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

مرسيدس تختبر أقوى سيارة كهربائية فائقة السرعة!

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية