"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

لماذا فقد "التغييريون" مكانهم في الإعراب السياسي والشعبي في لبنان؟

فارس خشّان
الثلاثاء، 20 مايو 2025

لماذا فقد "التغييريون" مكانهم في الإعراب السياسي والشعبي في لبنان؟

كان يفترض بحملة لواء التغيير في لبنان، بعد انتخاب العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية ودخول رئيس الحكومة نواف سلام إلى السرايا الحكومية، أن يتألقوا سياسياً ويأخذوا دفعة معنوية كبرى في المجتمع اللبناني، وأن تمكّنهم الانتخابات البلدية والاختيارية من ترسيخ نهج جديد في البلاد، بتقديم نماذجهم إلى الواجهة الميدانية.

لكنّ كل ذلك لم يحصل. العكس هو الصحيح، إذ أتت نتائج “الانتخابات المحلية” لتطرح أسئلة عن مكان هؤلاء “التغييريين” في الإعراب السياسي والشعبي في لبنان، إذ إنّهم خسروا الأغلبية الساحقة من المعارك حيث اختاروا خوضها، في مواجهة كل الطيف السياسي “التقليدي” في البلاد.

وليس سراً لجميع من يجوبون لبنان من أقصاه إلى أقصاه أنّ هؤلاء “التغييريين” لم يعودوا قادرين على إقناع الأغلبية الساحقة ممّن سبق لهم أن راهنوا عليهم، فهم لم ينجحوا في إيجاد خط تحالفي واضح، ولا تمكنوا من بلورة خط خاص بهم، ولا استطاعوا حل مشكلة واحدة من عشرات المشاكل التي يثيرونها في إطلالاتهم المنبرية التي يشوبها الكثير من الاستعراض المسرحي والأزيائي والتسويقي وأوهام التفوّق الفكري، وصلف الانتماء النخبوي!

عملياً، لم ينجح “التغييريون” في تحويل “التعاطف الاعتراضي” معهم إلى حالة راسخة، بل بدوا أقرب إلى مستغلي مشاكل اللبنانيين لركوب موجاتها من أجل حصد فوائد للـ”أنا” التائهة والطموحات المرتبكة.

وحوّل “التغييريون” خطاباتهم إلى حالة خشبية، فالجميع بالنسبة إليهم فاسدون، باستثناء هؤلاء الذين يتقاطعون معهم في المصالح، وبعضهم “الله وحده” يعرف من أين جمعوا ثرواتهم وإلى أين يريدون قيادة المجتمع اللبناني. وهكذا تبيّن أنّه في ظلّ شعارات الشفافية، افتقر كثير من التغييريين إلى الوضوح.

في هذا الوقت، كانت، المسمّاة في القاموس التغييري “طبقة سياسية” - وكأنّ العمل النيابي والوزاري والحكومي يمكن فصله عن السياق السياسي - تستعيد أنفاسها وتُحكم سيطرتها على الأرض، لأنّها، في الواقع، نجحت في محاكاة هموم اللبنانيين الحقيقية - وبينها الهموم الوجودية - وسعت بقوّة إلى تقديم تصوّر واضح للمستقبل، وتمتعت بليونة كبيرة، سمحت لها بالمواجهة في مناطق والتحالف في مناطق أخرى، تماماً كما حصل في بيروت، حيث كان للتحالف عنوان وطني كبير، له مكانته الغالية في الوجدان الوطني، وهو المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، أو في البترون، حيث كانت حاجة هذه المدينة التي بدأت تتألق، إلى ”الاستقرار البلدي” في مقدمة الهموم.

لم يستطع “التغييريون” التمييز بين سهولة إطلاق الشعارات التي رفعوها - وفيها الكثير من الصحة - وصعوبة تجسيدها في الواقع اللبناني. وبسبب فردية غالبية هؤلاء “التغييريين” عجزوا عن خلق أطر ضاغطة وتنفيذية، ومن بينها، على سبيل المثال لا الحصر، حاجتهم إلى خلق أحزاب جديدة في البلاد، تقدّم نفسها خياراً متاحاً للراغبين في العمل السياسي والمجتمعي والمدني في البلاد، خارج إطار التنظيمات القائمة!

ثم إنّ هؤلاء التغييريين لم ينجحوا في الانتقال من “المثالية الوهمية” إلى “الواقعية الصالحة” بحيث لم يجدوا في أنفسهم الجرأة لتكوين ائتلاف حتى مع القوى السياسية التي طوّرت نفسها أو سعت إلى تطوير نفسها، فآذى هؤلاء التغييريون عملهم السياسي وحالوا دون تمكين القوى التي تتماهى معهم في الأهداف من الحصول على أدوات لا بد منها للنجاح في الوصول إلى المبتغى.

ثمة من يعتقد بأنّ لبنان بحاجة إلى “التغييريين” ليُبْقوا التحدّي ماثلاً في وجدان “الطبقة السياسية”. هذا صحيح، بالمطلق، ولكن في الواقع اللبناني، بات حملة شعار التغيير، يمثلون مشكلة، لأنّهم أضعفوه، وحوّلوه إلى حالة تشبه المثل السياسي الساخر: “قوم تأقعد مكانك”!

لا يزال هناك متسع من الوقت، لإعادة النظر في المسار “التغييري” في البلاد، ولكنّه يحتاج إلى جهد كبير وتضحيات جسام. تجربة السنتين اللتين اعقبتا الانتخابات النيابية لم تُظهر أنّ حملة الشعار التغييري قادرون على ذلك أو مؤهلون لرفع تحدياته.

( نشر في “النهار”)

المقال السابق
هؤلا ء هم الفائزون رسميا في انتخابات بيروت البلدية

فارس خشّان

كاتب سياسي

مقالات ذات صلة

عون ينسف جديّة مواقف حزب الله الرافضة لنزع سلاحه

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية