من يتابع تحرّكات رجل الأعمال الإماراتي خلف الحبتور في لبنان خلال السنوات القليلة الماضية، يلاحظ نمطًا متكرّرًا: وعود بمشا ريع ضخمة وسخيّة تُغدَق على اللبنانيين، يتبعها تراجع سريع وبيانات توضح أسباب العزوف.
آخر تجليات هذه الوعود كان في لقائه الأخير مع رئيس الحكومة نواف سلام في السراي الحكومي، حيث تحدّث الحبتور عن نيّته “وضع لبنان على خارطة استثماراته الخارجية”، مستندًا إلى “الأوضاع الجديدة التي تعزّز الثقة وتشجّع المستثمرين العرب على العودة”.
ورغم أن البعض تلقّف هذه التصريحات كـ بارقة أمل وسط الانهيار الاقتصادي الخانق، فإن كثيرين سارعوا إلى استحضار تجارب سابقة لم تكن مشجّعة. فكيف للبنانيين أن ينسوا ما أعلنه في نيسان/أبريل 2024 عن مشروع إطلاق قناة تلفزيونية ومدينة استوديوهات في بيروت، واعدًا بتأمين أكثر من 300 فرصة عمل في مجالات الإعلام والإنتاج؟ حينها، انهالت الطلبات وتنافس صحافيون على نيل شرف الانضمام إلى المشروع، قبل أن تصدر المجموعة بيانًا مفاجئًا في حزيران/يونيو من العام ذاته تُعلن فيه إلغاء المشروع بالكامل، متذرّعة بـ”تهديدات أمنية وحملات تخوين”.
وبعد عام تمامًا، في نيسان/أبريل 2025، أعرب الحبتور عبر حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي عن “يأسه” من الأوضاع في لبنان، معلنًا عزمه على تفكيك فندق “ميتروبوليتان بيروت” الذي يملكه ونقله إلى الخارج، مستعينًا بـ”فرق هندسية صينية متخصصة”. الإعلان أثار ضجة إعلامية، ليس فقط لغرابته، بل لمخالفته للمنطق الاستثماري المعتاد.
وكما كان متوقعًا، بقي المشروع ضمن دائرة الاستعراض الإعلامي
من هو الشخص الذي يَعِد ولا يفي؟
ما نشهده مع الشيخ خلف الحبتور يستحق التوقّف عنده. ففي علم النفس، يُطرح سؤال محوري: لماذا يَعِد الإنسان ولا يفي؟
قد يكون الحبتور تعرّض فعلًا لخسائر فادحة في استثماراته بلبنان، لكن أسلوب الإعلان والتراجع، وتكرار نمط الضخ الإعلامي ثم الانسحاب، يوحي بوجود تناقض في التصريحات، ويضعه – عن قصد أو غير قصد – في خانة “مَن يَعِد ولا يُنفّذ”.
لماذا يُطلق البعض وعودًا لا تُنفّذ؟
ثمّة أسباب كثيرة تدفع بعض الأشخاص إلى إطلاق وعود تتجاوز قدراتهم على التنفيذ، منها:
الرغبة في التأثير وكسب الإعجاب.
الميل إلى المبالغة دون تقدير دقيق للعواقب.
وفي بعض الحالات، يكون هذا السلوك قريبًا ممّا يُعرف في علم النفس بـ“الميتومانيا”، أي الميل المتكرّر إلى التضخيم أو اختلاق مبادرات لا تجد طريقها إلى الواقع، بدافع تعزيز الصورة الذاتية باستمرار.
لا أحد يُنكر ما واجهه الحبتور من تحديات وصعوبات في لبنان، لكن أداءه هذا بدأ يطرح علامات استفهام كبيرة حول مدى الجديّة والنيّة، ويدفع اللبنانيين إلى التوجّس حينًا، والسخرية أحيانًا، كلّما سمعوا عن “مبادرة جديدة” قادمة من الرجل نفسه.
بين النية الحسنة والتنفيذ الصادق… تبقى الجدّية هي الحلقة المفقودة في ظاهرة خلف الحبتور اللبنانية