أثار ظهور مفتي زحلة والبقاع، الشيخ علي الغزاوي، محمولاً على الأكتاف وهو يلوّح بسيف وبندقية تقليدية ضمن رقصة فولكلورية في زفاف ابنه على ابنة النائب ياسين ياسين، صدمة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي.
تحوّلت “رقصة الفرح” هذه إلى مادة للنقاش “الشرعي”، إذ سارعت أصوات كثيرة إلى إدانتها. لكن المفارقة أنّ هذه الأصوات ذاتها لم تعترض يوماً على انغماس رجال الدين في دهاليز السياسة، ولا على حضورهم في معادلات الحرب والسلم، ولا على تبنّيهم خطابات تقسيم وتحريض تسبّبت بدماء ودموع ومآسٍ لا تُحصى.
كيف يصبح حمل سيف تراثي في عرس “جريمة” تستحق المحاكمة على مواقع التواصل الاجتماعي، بينما يُعتبر حمل السلاح في الشارع أو التحريض على العنف عملاً “مباركاً” أو “جهاداً مقدّساً”؟
أليس الفرح حقاً إنسانياً؟ ورجل الدين، في النهاية، إنسان له مشاعره وأسرته وحقه في التعبير عن الفرح، طالما لم يتجاوز الضوابط الأخلاقية العامة؟
إنّ التشدد في محاكمة التفاصيل الصغيرة، كرقصة أو موسيقى في عرس، يكشف ذهنية تُضيّق على الحياة وتختزل الدين في مجموعة ممنوعات شكلية، فيما تتساهل مع القضايا الكبرى التي تمس كرامة الإنسان وحقه في الحياة الآمنة.
الأدهى أنّ بعض رجال الدين الذين يُحاكمون على “الفرح”، يُمنحون في المقابل صكوك غفران حين يدخلون عالم السياسة من أوسع أبوابه. يُشرّعون الحروب، يباركون النزاعات، ويُجيّشون الناس تحت شعارات طائفية ومذهبية. هنا لا نرى حملات تنديد على وسائل التواصل، بل نجد تصفيقاً وتبريراً. أليس التدخل في دماء الناس أخطر من المشاركة في رقصة تراثية؟
إنّ المجتمع الذي يمنع على رجاله الفرح ويغضّ الطرف عن انخراطهم في دوامة العنف، يرسّخ صورة مشوّهة عن الدين نفسه. والدين الذي لا يتّسع للفرح البريء سيتحوّل بالضرورة إلى أداة كبت وقمع.
وتبقى قضية الشيخ الغزاوي أبعد من رقصة في زفاف، إنها صورة عن عقلية اجتماعية تعاقب الإنسان على لحظة إنسانية طبيعية، بينما تصمت أمام التورّط في قضايا كبرى تُزهِق الأرواح وتشرّع الفتن.
لذلك يبقى السؤال مشروعاً: لماذا يُحرَّم على رجال الدين الفرح، ولا يُحرَّم عليهم التدخل في السياسة والتسبّب بالحروب؟