"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

بين الشماتة والانكسار: قراءة نفسية للمتنمّرين على مي شدياق

كريستين نمر
الأحد، 2 نوفمبر 2025

بين الشماتة والانكسار: قراءة نفسية للمتنمّرين على مي شدياق

في لبنان، كما في كل المجتمعات، تبرز ظواهر اجتماعية تمثل انعكاسًا لما يختلج في أعماق النفوس البشرية، أحد هذه الظواهر هي التنمّر والتشفّي بمآسي الآخرين، خاصة حين يكون الضحية شخصًا نجا من محنة جسدية أو نفسية مروعة، كما حصل ويحصل مع الوزيرة السابقة الإعلامية مي شدياق ومراسل قناة “المنار” التابعة لحزب الله علي برو ومنشد الحزب علي بركات.

للتعمّق في هذه الظاهرة، من الضروري الغوص في نفسيات هؤلاء في البيئاتٍ المأزومة، يصبح التنمّر طقسًا جماعيًا يجمّل القبح ويبرّر الانحطاط

إنّ اللافت في سلوك هؤلاء المتنمّرين هو غياب التعاطف، وهو شعور متجذّر في نقص داخلي وعجز نفسي. فأمثال علي برو وعلي بركات، كما غيرهم من الشخصيات المشابهة، يعانون من شعور عميق بالدونية وفشل في مواجهة تحديات حياتهم. وللتغطية على هذا الإحساس بالعجز، يحوّلون شعورهم بالضعف إلى هجومات لفظية تتسم بالشماتة بآلام الآخرين، ظنًّا منهم أنهم، من خلال “إذلال” ضحاياهم، يستطيعون تعويض جزء من شعورهم بالضعف والانكسار، واكتساب إحساسٍ بالقوة، حتى لو كان زائفًا.

“التسليع والتحقير”

غالبًا ما يلجأ هؤلاء المتنمرون إلى ما يُعرف في علم النفس بـ”التسليع والتحقير”، أي تحويل كل ما هو جسدي أو نفسي لدى الضحية إلى مادة للسخرية والتهكّم.

من يسخر من جراح الآخرين، إنما يفضح جرحه الداخلي الذي لم يتجرأ على الاعتراف به

ومن الملاحظ أن هؤلاء المتنمّرين غالبًا ما يختبئون وراء حزب أو جماعة أو تنظيم يستمدّون منه قوتهم الوهمية، فيتظاهرون بأنهم يدافعون عن ذواتهم وعن مبادئ وقيم من يقف وراءهم. غير أن هذا الاستقواء ليس سوى قناعٍ يخفي هشاشتهم الداخلية، وهو ما يفسّر لماذا يبدون أكثر صخبًا وعدوانية على شبكات التواصل الاجتماعي، في حين يتراجعون ويصمتون أمام تحدّيات الحياة الواقعية.

ما يبدو شجاعة على الشاشات، ليس سوى قناعٍ هشّ يخفي خوفًا أعمق من الحقيقة

إلى جانب البعد النفسي، هناك أيضًا جانب اجتماعي وثقافي يغذّي هذه الظاهرة. ففي بعض البيئات، يتحوّل التنمّر على من نجوا من مآسٍ حقيقية إلى نوع من “الطقوس الجماعية” التي تبرِّر تحت غطاء القيم المشوّهة، التفسيرات السياسية المنحرفة، غير أنّ الحقيقة أبعد من ذلك بكثير، فهذه السلوكيات لا تعبّر عن قوة أو شجاعة، بل تكشف عن انحلال أخلاقي وجمود نفسي عميق، وضعف داخلي يتنكّر في ثوب البطولة.

وراء كلّ متنمّر، ضعفٌ متوارٍ يختبئ خلف ضجيج الصوت وثقل الشعارات

وعليه فإنّ تصرّفات هؤلاء ليست مجرد سوء خُلُق فحسب، بل انعكاس لهشاشة داخلية ونوع من الهروب إلى الأمام ومحاولة للدفاع عن ذواتهم، فهم بالنهاية ليسوا سوى ضحايا لانكسارهم الداخلي، وما يحتاجونه أولاً هو مواجهة أنفسهم. بالطبع، هذا لا يبرّر أفعالهم الشنيعة، لكنه يفسّر لماذا يمكن لهؤلاء، أن يفعلوا ما يفعلونه رغم بيئتهم المتألمة.

المقال السابق
ماذا قالت مصر لسلام عن لبنان؟
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

الهالوين ومتعة الرعب.. كيف يتحوّل الخوف من عدوٍّ للإنسان إلى مُروّضٍ له

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية