تحوّلت النائبة بولا يعقوبيان إلى “نائبة (مصيبة)” بحسب بعض الأصوات، ووُضعت في صل ب حملة تخوين ممنهجة، بعد مقابلة إعلامية انتقدت فيها بشكل مباشر “عقيدة” حزب الله، المنبثقة من عقيدة ولاية الفقيه، من دون أن تأتي على ذكر الطائفة الشيعية.
يعقوبيان وفي مقطع مُجتزأ من مقابلة إذاعية قالت:
“المصيبة أننا لسنوات طويلة تحدّثنا عن السلاح، لكن قلائل فقط تناولوا الإيديولوجيا. أنا كنت من بين الذين ركّزوا على ما وراء السلاح، على عملية غسل أدمغة الناس. الصحافة تحدثت عن العقيدة، لكن الأحزاب ركّزت على السلاح وتجاهلت العقيدة. في رأيي، العقيدة أخطر. فالسلاح قد يصدأ، أما العقيدة فهي قاتلة، وإذا تسلّحت، تصبح أكثر فتكًا. لذلك، يجب أن ينصبّ العمل على أكثر من جبهة، وليس فقط على مسألة نزع السلاح.”
الحملات الممنهجة ضد كل من يجرؤ على انتقاد الحزب أو سلاحه أو “عقيدته السماوية” لم تعد خبراً جديداً، بل بات الأمر تقليدًا متبعًا: تفتح فمك بكلمة، تُتهم فورًا بعدائك للطائفة الشيعية، يُشَكّك في وطنيتك، وتُمسّ كرامتك، وكأنك اقترفت جريمة “الإلحاد السياسي!
إلا أن اللافت هذه المرة، أن الردود لم تأتِ فقط من “الذباب الإلكتروني”، بل صدرت عن وجوه إعلامية معروفة، فالصحافي في قناة “الميادين” علي مرتضى، مثلًا، اختار الرد بأسئلة وجودية تهكمية على غرار: “هل تريدين أن نغيّر اتجاه القِبلة، نلغي صيام رمضان، نعدّل مفهوم الجنة والنار؟”، وكأن في كلام يعقوبيان تهديدًا لأركان الطائفة، وزعزعة لمناصب مرجعياتها وتبديل للفتاوى!
طبعًا، مثير للشفقة هذا الأسلوب، فيعقوبيان لم تتحدث لا عن الصلاة ولا عن الصيام، إنما أعربت عن رأيها وقناعاتها أن “عقيدة” هؤلاء أخطر على اللبنانيين من سلاحهم.
أما المفارقة المُضحكة المبكية، فهي في ما قاله الصحافي في قناة “المنار” علي الرضا البرو، الذي لم يكتفِ بوصف بولا يعقوبيان بـ”المجنّسة”، وهي تهمة جديدة تضاف إلى لائحة التهم الجاهزة، بل ذهب أبعد من ذلك بالقول إلى أنها “زوجة فلسطيني”، ناسفًا، بذكائه النادر، شعار “تحرير فلسطين” الذي يتغنّى به هو ومحوره ليلًا ونهارًا!
ولم يتوقّف سيل الإبداع عند هذا الحد، بل انهالت الاتهامات من كل من اعتبر أنّ ما قالته يعقوبيان مسًّا بالمقدّسات أو تطاولًا على “الثوابت العقائدية”، فبعضهم استنفر دفاعًا عن الطائفة، وآخرون عن “المقاومة”، بينما دافع آخرون ببساطة عن امتيازاتهم السياسية المقنّعة بعباءة دينية. أما القاسم المشترك بينهم جميعًا، فهو غياب أي نقاش فعلي في مضمون كلامها، مقابل فائض من الهجوم الشخصي، والتشويه، والتجريح، خصوصًا وأن الكلام صادر عن امرأة.
إنّ خطورة هذا ال خطاب تكمن في كونه أنه لم يعد مجرد انحراف سياسي، بل أصبح إهانة لطائفة بأكملها، بحيث بات يربط مصيرها أكثر فأكثر بخيار عقائدي واحد، وكأن أبناء الطائفة الشيعية لا يملكون رأيًا مستقلاً ولا هامشًا للتنوّع داخلها، ويتجاهل أصحاب هذا الخطاب عمدًا أن داخل الطائفة نفسها أصواتًا ترتفع منذ سنوات، مطالبة بإعادة النظر في العلاقة بين عقيدة حزب الله والناس، بين السلاح والشرعية وبين التضحيات والنتائج… هناك مثقفون وطلبة وناشطون ورجال دين أيضًا، يرفضون تحويل “المقاومة” إلى غطاء لإخضاع الداخل، أو تسخيرها لخدمة مشاريع إقليمية تتعارض مع أولويات اللبنانيين وحقوقهم الأساسية.
وما هو مؤكد أنّ هذه “الردود البائسة” لا تعكس موقف الطائفة الشيعية، بل تكشف عجز البعض عن تقديم ردّ سياسي متماسك، فيلجأ إلى وسيلتهم الوحيدة الاتهام بالتخوين والتكفير والانحلال الأخلاقي…