"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

دواء سمّ الأفاعي في لبنان: المستورد مقطوع والمحلي قيد التجربة

نيوزاليست
الاثنين، 16 يونيو 2025

دواء سمّ الأفاعي في لبنان: المستورد مقطوع والمحلي قيد التجربة

ليلى جرجس (النهار)

داخل أروقة مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، يعمل فريق من الأطباء والباحثين على تتبّع حالات الإصابة بلدغات الأفاعي السامة ضمن المرحلة الأولى من الدراسة السريرية التجريبية. قبل يومين، تابعت مديرة العمليات الطبية في قسم الطوارئ والاختصاصية في طب السموم الدكتورة ثروت الزهران حالة مريض لبناني تعرّض للدغة أفعى سامة وتلقى المصل اللبناني التجريبي قيد التطوير.

حالته مستقرة، ولم تُسجّل لديه أي أعراض جانبية تُذكر، في حين تبدو النتائج الأولية واعدة. هذا المريض ليس حالة فردية، بل هو واحد من مرضى آخرين تطوّعوا لتلقّي المصل التجريبي، ضمن الجهود المستمرة لإنتاج علاج محلّي فعّال للدغات الأفاعي السامة في لبنان.

بعد سنوات من العمل البحثي، دخلت التجربة السريرية الخاصة بالمصل اللبناني المضاد لسم الأفاعي مرحلتها الأولى، تحت إشراف وزارة الصحة اللبنانية وبمتابعة منها. وتشكل هذه الخطوة بارقة أمل في مواجهة أزمة مستمرة، في ظل الانقطاع أو النقص الحاد في الأمصال المستوردة، التي كان مصدرها الأساسي سوريا ودول الجوار.

ومع تعرّض المصنع السوري المنتج للمصل للقصف، باتت مسألة تأمين العلاج أشدّ تعقيداً، ليس لصعوبة الحصول عليه فحسب، بل أيضاً لأن بعض الأمصال المتوافرة لا تتمتع بالفعالية المطلوبة، نظراً الى اختلاف أنواع الأفاعي في لبنان وسوريا وفلسطين عن الدول الأخرى.

وفي وقت تُعد فيه لدغات الأفاعي ولسعات العقارب تحدياً صحّياً عالمياً، تبرز منطقة الشرق الأوسط كأحد أكثر المناطق تأثراً بهذه الظاهرة، ما يسلّط الضوء على أهمية تطوير علاج محلّي فعّال يلبي الحاجة الوطنية ويقلّل الاعتماد على الخارج، في ظل النقص الكبير الذي يواجه السوق اللبنانية.

حالات التسمم بلدغات الأفاعي

في ورقة بحثية قدّمها عدد من الأطباء والباحثين في الجامعة الأميركية في بيروت، كشفت النتائج عن خلل بنيوي واضح في منظومة التعامل مع حالات التسمم بلدغات الأفاعي في لبنان. فقد أظهرت البيانات وجود تفاوتات صارخة في توافر الترياق وإمكان الحصول عليه، خصوصاً في المناطق الريفية وبين الفئات المهمّشة وذات الدخل المحدود.

وفي ظل النقص المزمن في مخزون الأمصال، اضطر بعض العاملين في القطاع الصحي للجوء الى مصادر غير رسمية لتأمين العلاج، فيما لجأ بعض الضحايا إلى الطب التقليدي بحثاً عن بدائل. وقد ساهم غياب بروتوكولات علاج موحّدة وضعف تدريب الكوادر الطبية في اعتماد ممارسات غير منتظمة، وأحياناً غير آمنة، في استخدام الترياق.

وتُظهر الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة اللبنانية توثيق أربع حالات تسمم بلدغات الأفاعي خلال الفترة ما بين أيار وحزيران من عام 2022، ما يعكس جانباً بسيطاً من مشكلة قد تكون أوسع بكثير، في ظل ضعف أنظمة التوثيق والإبلاغ.

الترياق غير متوافر في المستشفيات الحكومية

في مستشفى شتورة، يؤكد طبيب الطوارئ غياب المصل المضاد للدغات الأفاعي في الوقت الراهن، ما يعني أن أي مصاب بلدغة أفعى سامة يُضطر للتوجه إلى مستشفى حكومي للحصول على العلاج. لكن هذا الخيار، في الواقع، ليس متاحاً دائماً، إذ تعاني غالبية المستشفيات الحكومية من نقص حاد أو انقطاع تام في الترياق، ما يدفع بعضها إلى تحويل المرضى إلى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت للاستفادة من العلاج التجريبي ضمن الدراسة السريرية الجارية.

هذا الواقع يؤكده مدير مستشفى الهراوي الحكومي الدكتور جوزف حمصي، بقوله: “لا يتوافر لدينا حالياً أي مصل مضاد، وإن كنا لم نُسجل بعد أي حالة للدغة أفعى سامة”.

وباعتبار أن المستشفى تابع لوزارة الصحة، فقد تلقى تعليمات واضحة بتحويل أي حالة تسمم بلدغة أفعى إلى مستشفى الجامعة الأميركية، شرط موافقة المريض على الانضمام إلى التجربة السريرية لتلقي المصل اللبناني قيد التطوير.

في العام الماضي، تعامل مستشفى حاصبيا الحكومي مع حالة فقط ناتجة من لدغة أفعى غير سامة، لم تستدعِ تدخلاً طارئاً، واقتصر العلاج حينها على التخفيف من الأعراض البسيطة التي ظهرت على المريض. لكنّ الصورة اليوم أكثر تعقيداً، إذ يؤكد المستشفى أنّ المصل المضاد لسم الأفاعي ليس متوافراً، حتى في المستشفيات التي كانت تمتلكه سابقاً.

وهذا النقص الحاد في الترياق يؤكده أيضاً مستشفى النبطية الحكومي، الذي أفاد بأنّه تعامل قبل نحو ثلاثة أشهر مع حالات تعرّضت للدغات أفاعٍ، لكن بسبب غياب المصل، اضطر الطاقم الطبي إلى تأمين العلاج بجهود فردية ومن مصادر خارج إطار وزارة الصحة.

بارقة أمل

أما اليوم، فقد تغيّر المشهد جزئياً مع إطلاق الجامعة الأميركية في بيروت المرحلة الأولى من الدراسة السريرية للمصل اللبناني التجريبي. ووفق الإجراءات الجديدة، تُحال الحالات التي تستدعي الترياق تلقائياً الى المستشفى الجامعي، حيث يُعطى المصل التجريبي للمريض بعد موافقته على الانضمام إلى الدراسة.

وفي ظل هذه المستجدات، باتت الأنظار متجهة إلى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، حيث تُعقد الآمال على نتائج المرحلة الأولى من الدراسة السريرية للمصل اللبناني المضاد لسم الأفاعي. مديرة العمليات الطبية في قسم الطوارئ والإختصاصية في طب السموم الدكتورة ثروت الزهران، تواصل عملها بين الطوارئ والمختبر البحثي، مدركة أن الحديث عن نتائج نهائية لا يزال مبكراً. لكنها تشير في حديث الى “النهار” إلى أن “النتائج الأولية المستقاة من الحالات التي شاركت في التجارب السريرية، واعدة ومبشّرة”.

وعن نوعية السموم التي يغطيها هذا الترياق التجريبي، تقول الزهران إن “المصل صُمم خصيصاً لمواجهة الأنواع الثلاثة السامة المنتشرة في لبنان، وهي: الأفعى الشامية، الأفعى الجبلية، والأفعى الفلسطينية. وقد تمّ استخراج السم من هذه الأنواع ومعالجته وفق تقنيات دقيقة”.

المرحلة الأولى من التجربة السريرية اكتملت بنجاح. أما اليوم فنحن في المرحلة الأولى التي تشمل إعطاء المصل للمرضى ومقارنته بالمصل السوري أو أنواع الأمصال الأخرى المتوافرة محلياً، بهدف تقييم فعاليته وسلامته بشكل دقيق”.

ما النتيجة؟ تؤكد الدكتورة الزهران أن “النتائج الأولية أظهرت فعالية واعدة للمصل اللبناني التجريبي، إذ تبيّن أنه أكثر فاعلية من بعض الأمصال المتوافرة، ويتطلّب جرعات أقل لتحقيق النتيجة المرجوة”. لكنها تشدد على أن هذه المؤشرات لا تزال أولية، ولا يمكن تعميمها أو اعتمادها رسمياً قبل الانتهاء كل المراحل الأساسية في الدراسة السريرية.

وتوضح نقطة أساسية كثيراً ما يجهلها الناس. “ليست كل لدغة أفعى تستدعي تلقائياً تلقي المصل، إذ أن اللدغات التي تسببها الأفاعي غير السامة لا تستوجب أكثر من معالجة الأعراض، أما الترياق فيُعطى فقط عند التسمم بلدغات الأفاعي السامة”.

وبما أن المصل لا يزال في طور التجربة، لا يُمكن إعطاؤه إلا تحت إشراف مباشر من الفريق البحثي في الجامعة الأميركية، وتحديداً الدكتورة الزهران، لمراقبة الحالة السريرية عن كثب والتأكد من عدم ظهور مضاعفات أو آثار جانبية. حتى الآن، لم تُسجل أي حالات غير مرغوبة، ما يعزز المؤشرات الإيجابية، وإن كانت الطريق نحو التثبت النهائي من سلامة هذا الترياق وفاعليته لا تزال طويلة.

يخضع المرضى المشاركون في الدراسة السريرية لمتابعة دقيقة ومستمرة من الدكتورة الزهران وفريقها في الجامعة الأميركية في بيروت. وتُشدد الزهران على أن الانضمام إلى هذه التجربة لا يتم إلا وفق شروط طبية محددة تضمن سلامة المريض ودقة نتائج الدراسة، أبرزها ألا يكون المريض قد تناول مسيّلات للدم، أو تلقى سابقاً أي جرعة من أمصال مضادة لسم الأفاعي، أو يعاني من ضعف في جهاز المناعة أو من حساسية حيال أنواع معينة من الأمصال. كما تُستثنى من المشاركة النساء الحوامل، حفاظًا على سلامتهن.

وتُجرى للمريض متابعة سريرية حثيثة تبدأ من الساعات الأولى لتلقي الجرعة، إذ يخضع لفحوص دم كل 6 ساعات في اليوم الأول، ثم بعد 24 و48 ساعة، تليها فحوص بعد أسبوع، ثم بعد شهر، وأخيراً بعد ستة أسابيع، بهدف رصد أي تغيرات أو مضاعفات محتملة وضمان فعالية العلاج وسلامته على المديين القصير والمتوسط.

زيادة السمية في لبنان

تتميّز الأفاعي السامة في لبنان بأن سمّها يترك تأثيراً تدريجياً على الجسم، إذ تؤدي لدغتها غالباً إلى انخفاض في عدد صفائح الدم وتؤثر على آلية تخثره. غير أن هذه الأعراض لا تظهر فوراً، بل تبدأ عادة بعد نحو ثلاث ساعات من الإصابة، ما يمنح المصاب وقتاً كافياً للتوجه إلى المستشفى وتلقي العلاج المناسب.

إلا أن الأطباء في لبنان لاحظوا تغيراً في سلوك الأفاعي نتيجة التحولات المناخية، ما جعل لدغاتها في بعض الحالات أكثر عدوانية. فقد سُجّلت مؤشرات لارتفاع في شدة الأعراض، بينها انخفاض حاد في ضغط الدم وظهور علامات تسمم واضحة، ما يستدعي تدخلاً طبياً أكثر دقة وسرعة. ومع ذلك، تؤكد مديرة العمليات الطبية في قسم الطوارئ في الجامعة الأميركية في بيروت أن معظم المرضى لا يزالون يملكون الوقت الكافي للوصول إلى المستشفى، شرط ألا يتأخروا في التوجه فور اللدغة.

وتُعد الحالات الخطرة نادرة جداً، إذ لم يُسجل حتى الآن سوى مريض واحد اضطر إلى دخول العناية الفائقة نتيجة انخفاض حاد في ضغط الدم، وقد تحسّنت حالته لاحقاً واستقر وضعه الصحي.

البيع بأسعار مرتفعة

من جانبها، تؤكد رئيسة مصلحة الطب الوقائي في وزارة الصحة، الدكتورة عاتكة بري، أن مسألة توافر الترياق المضاد لسم الأفاعي في لبنان تبقى رهناً بالجهة المُصنّعة، مشيرة إلى أن بعض المستشفيات يحتفظ بمخزون خاص ويلجأ إلى استغلال ندرة الدواء لبيعه بأسعار مرتفعة. ومع ذلك، تُطمئن إلى أن “الوضع في لبنان مقبول”، نافية ما يتم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي من مزاعم عن تدهور إضافي أو أزمة حادة.

وتضيف أن وزارة الصحة، بالتعاون مع مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، تعمل على دراسة سريرية بعد تطوير مصل لبناني يستهدف تحديداً أنواع الأفاعي السامة المنتشرة محلياً. ومع استمرار المرحلة الأولى من الدراسة، تؤكد بري أن الجهود تتركز حالياً على ربط بعض المستشفيات بالجامعة الأميركية عبر آلية تنسيق تهدف إلى تقييم الحالات المسجلة والتأكد من فعالية المصل التجريبي ومدى استجابته لدى المرضى.

يتعرّض نحو 5.4 ملايين شخص حول العالم للدغات أفاعٍ سنوياً، وفق منظمة الصحة العالمية، تتسبب بما بين 1.8 و2.7 مليون حالة تسمم بالسم، إلى جانب تسجيل حالات البتر والإعاقات الدائمة الأخرى.

لكن نحو 70 في المئة من الأفاعي الموجودة في لبنان غير سامة، على قول بري، وبالتالي فإن معظم الحالات لا تستدعي تلقّي المصل المضاد. أما الحالات التي تتطلب العلاج، فهي نادرة ومحدودة، ويتم التعامل معها إما من خلال كميات محدودة تؤمنها وزارة الصحة، وإما عبر بعض المستشفيات الجامعية الكبرى.

وتوضح أن فعالية الأمصال المتوافرة في السوق اللبنانية تختلف بشكل كبير، فبينما يُعدّ المصل السوري الأقرب من حيث التركيبة إلى أنواع سموم الأفاعي اللبنانية، تُسجّل فعالية محدودة لأمصال أخرى مثل المصل الهندي أو السعودي نظراً الى اختلاف طبيعة الأفاعي السامة بين البلدان، ما يفرض لكل دولة ترياقها الخاص.

إلى جانب ذلك، تلعب عوامل أخرى دوراً في الحفاظ على فعالية المصل، منها شروط التخزين، وأي خلل في سلسلة التبريد، خصوصاً في حال عدم التزام درجات حرارة تراوح بين 2 و5 درجات مئوية، قد يؤدي إلى تراجع فعالية المصل أو فقدانها بالكامل.

وتلفت بري إلى أن وزارة الصحة سجلت حتى الآن عشر حالات لدغات أفاعٍ، جميعها تلقت العلاجات المناسبة ولم تُسجل أي حالة وفاة. وتؤكد أن “الخطوة الأساسية اليوم تكمن في الإبلاغ الفوري عن أي إصابة، والتوجه إلى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، شرط موافقة المريض على المشاركة في الدراسة السريرية الجارية على المصل اللبناني التجريبي”.

المقال السابق
في جلسة مجلس الوزراء.. موقف موحّد لعون وسلام من الحرب الدائرة... ولا تعيينات لنواب الحاكم
نيوزاليست

نيوزاليست

newsalist.net

مقالات ذات صلة

البوركيني على حساب البيكيني ... كيف تفاعل السوريون مع القرار؟

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية