مع شغور الكرسي الرسولي عقب وفاة البابا فرنسيس، تتجه الأنظار إلى الفاتيكان حيث يستعد الكرادلة لدخول المجمع السري لاختيار البابا الجديد. وفي خضم التكهنات حول من سيخلف الحبر الأعظم، يبرز اسم الكاردينال الفلبيني لويس أنطونيو تاغلي كأحد أبرز المرشحين، مستحوذاً على اهتمام واسع داخل الكنيسة الكاثوليكية وخارجها. يتمتع تاغلي بمزيج من الصفات الشخصية والرؤية الإصلاحية التي تشبه إلى حد كبير توجهات البابا الراحل، ما يجعله “فرنسيس الآسيوي” في نظر كثيرين، وربما امتداداً طبيعياً لنهج انفتاح الكنيسة على العالم المعاصر.
ولهذا اللقب دلالته، بما يعكسه من إيحاء حول قدوم هذا الكاردينال من بلد بعيد عن مركز القوة التقليديّ للكنيسة الكاثوليكية. فهو آتٍ من قارة آسيا، وفي اختياره المحتمل استمرار للنهج الذي تبنّاه الراحل فرنسيس.
وعلى مستوى الصفات الشخصية يتمتّع تاغلي بصفات مشابهة للبابا الراحل يقول من يعرفونه إنّها “ابتسامته المعدية، وتلقائيته في الحديث”.
وإذا تم انتخاب تاغلي كبابا الفاتيكان، فإن ذلك سيشير على الأرجح أيضًا إلى المسيحيين الكاثوليك (1.4 مليار نسمة حول العالم) بأنّ كرادلتهم يؤيدون المضيّ قدمًا برؤية فرنسيس لفتح الكنيسة على العالم الحديث، من خلال عدم اختيار كاردينال قد يتراجع عن بعض إصلاحاته اللافتة التي تبنّاها.
كذلك سيكون انتخاب الكاردينال الفلبيني إشارة قوية على أنّ الكرادلة قرروا تجاهل ما يتم تداوله عن ملاحظات حول قدراته على المستوى الإداري.
“إنه سيمثل استمرارية لما كان يفعله البابا فرنسيس”، قال القس إيمانويل ألفونسو، وهو طالب سابق لتاغلي يعرفه منذ عقود. “إنه يشبه البابا فرنسيس حقًا من حيث حبه للفقراء، وسهولة الوصول إليه، وما إلى ذلك”، أضاف.
وقد تم استدعاء 252 كاردينالا من كل أنحاء العالم إلى روما، ودخلوا في صمت انتخابي، قبيل بدء المجمع المغلق في كنيسة سيستينا لانتخاب الحبر الأعظم الجديد.
وسيكون تاغلي، في حال انتخابه، أول بابا من قارة آسيا وتحديدا الجزء الشرقي منها، حيث أنّ عددًا من الباباوات تاريخيا كان من منطقة الشرق الأوسط الواقعة أيضا في هذه القارة.
تاغلي، الذي تبدو ملامحه أصغر من عمره الحقيقي البالغ 67 عامًا، ويحب أن يُنادى بلقبه المُصغر “تشي تو”، يرأس دائرة التبشير في الفاتيكان، وهي فعليًا الذراع التبشيرية للكنيسة الكاثوليكية، منذ خمس سنوات. وقد منحه هذا الموقع تأثيرًا كبيرا على الكنائس في الدول النامية.
خلفيّة سياسيّة
بينما تعدّ الفلبين أكبر دولة كاثوليكية في آسيا، اكتسب تاغلي خبرة رعوية في إدارة الأبرشيات عبر مناصبه الكنسية فيها، قبل أن يجلبه البابا فرنسيس إلى الفاتيكان في خطوة أثارت امتعاض الرئيس الفلبيني آنذاك رودريغو دوتيرتي حيث قال إن “تاغلي أبعد من مانيلا لتدخله في السياسة الوطنية”.
هذا الادّعاء لقي ردًّا قاسيًا من الأساقفة الكاثوليك، حيث وصف الأسقف بابلو فيرجيليو ذلك بأنّه “سخيف بشكل لا يصدّق”.
ويعرف العديد من الكرادلة تاغلي شخصيًا، وقد يرى كثيرون جاذبية في وجود بابا من آسيا، التي يُنظر إليها من قبل قادة الكنيسة على أنها “منطقة مهمة لنمو الإيمان”، ويلفتون إلى أنّ “الشباب يشعرون بالراحة معه”. ويسجّل لتاغلي أنّه نظّم أكثر الرحلات البابوية شعبيّة، فخلال زيارة البابا فرنسيس للفلبين عام 20214، ضمّ القدّاس 7 ملايين شخص.
تاغلي، الذي يتحدث الإيطالية والإنجليزية والإسبانية بالإضافة إلى لغته الأم التاغالوغ، لديه الآن خمس سنوات من الخبرة مع بيروقراطية الفاتيكان المعقّدة، على الرغم من أن بعض الكرادلة قد يرون أنّ هذه المدّة غير كافيةٍ لتسمح له بإدارة الكنيسة العالمية.
ومن إحدى نقاط الضعف المحتملة في ترشيح تاغلي هي “تورطه في فضيحة إدارية قبل ثلاث سنوات”، حيث أقاله البابا من وظيفة ثانية كرئيس فخري لاتحاد مقره الفاتيكان يضم 162 منظمة كاثوليكية للإغاثة والتنمية والخدمات الاجتماعية تعمل في أكثر من 200 دولة. وأقال فرنسيس حينها القيادة الكاملة للمنظمة، التي تُدعى “كاريتاس إنترناشيونالز”.
وكان دور تاغلي، الذي كان مشابهًا لدور مستشار في المنظمة، رمزيًا واحتفاليًا إلى حد كبير. لم يكن متورطًا بشكل مباشر في الإدارة اليومية، وكان يحظى بإعجاب عام من قبل الموظفين. وعلى عكس فرنسيس، يتمتع تاغلي بسمعة عالمية كعالم لاهوت، وهو ما قد يساعده في كسب أصوات الكرادلة المعتدلين الذين يشعرون بالقلق من بعض تصريحات فرنسيس التي يصفونها بالارتجالية، التي أدت إلى ما وصفه البعض بالارتباك بشأن تعاليم الكنيسة.
وقال القس جوزيف كومونشاك، أستاذ تاغلي في الجامعة الكاثوليكية بأمريكا في واشنطن العاصمة، إن الكاردينال كان أحد أفضل طلابه في 45 عامًا من التدريس. “واحدة من أعظم فضائل تشيتو كانت الفرح الذي يشع على كل من قابله”، قال كومونشاك، وأضاف “كان لديه حس فكاهي رائع، مما جعله محبوبًا بين زملائه الطلاب”.
وقال القس روبرت رييس، زميله في السمنير الذي يعرفه منذ أكثر من 50 عامًا، إن لدى تاغلي قدرة على التواصل مع الناس وأسلوب حياة بسيط. فعندما أصبح أسقفًا لأول مرة في عام 2001، لم يكن يمتلك سيارة. “كان يفضل أن يستقل سيارة أحدهم، أو أن يركب مع شخص يقود إلى مكان قد يكون الاثنان متجهين إليه”، قال رييس.