"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

"ابكِ بترتاح".. هل فعلًا يخفّف البكاء من الألم النفسي؟

كريستين نمر
الثلاثاء، 2 ديسمبر 2025

"ابكِ بترتاح".. هل فعلًا يخفّف البكاء من الألم النفسي؟

كثيرًا ما نسمع عبارة “ابكِ بترتاح”، وقد تُقال للسخرية أو كنوع من النصيحة المبسّطة للأشخاص الغاضبين أو المكتئبين. فذلك الفعل البسيط الذي يقوم به الإنسان منذ ولادته، قد يكون متنفّسًا مريحًا للبعض للتعبير عن الحزن والضيق، بينما يثير لدى آخرين شعورًا بالارتباك والإحراج، خاصة أمام الغرباء. هذه التباينات جعلت العلماء يدرسون البكاء بعمق بحثًا عن الإجابة: هل يحمل فعلًا قدرة سحرية على تهدئة النفس وتحسين المزاج، أم أنه مجرد انفجار عاطفي عابر؟

تشير الأبحاث في علم النفس، بما في ذلك نظرية “تحديد الذات”، إلى أن البكاء غالبًا ما يحدث عندما تتعرض احتياجات الإنسان الثلاثة الأساسية للتهديد وهي:

1- الوحدة: فالانفصال العاطفي، على سبيل المثال، يخلق شعورًا عميقًا بالوحدة ويضعف الحاجة الطبيعية للتواصل والارتباط بالآخرين.

2 - العجز: أي فقدان السيطرة على المواقف وعدم القدرة على التأثير فيها.

3- الإرهاق: إذ يؤدي الإرهاق المستمر إلى تقليل شعور الفرد بقدرته على مواجهة التحديات والنجاح في مهامه اليومية.

ماذا تقول الدراسات عن تأثير البكاء على المزاج؟

رغم الاعتقاد الشائع بأن البكاء يخفّف الحزن ويزيل الضغوط، تُظهر الأبحاث أن الواقع أكثر تعقيدًا، ففي دراسة أجرتها الباحثة لورين بيلسما عام 2011 على 100 امرأة، تبيّن أن ثلث المشاركات فقط شعرن بتحسّن حقيقي بعد البكاء، بينما لم يشعر الباقون بأي تأثير يُذكر. وبالمثل، أظهرت دراسة أوسع شملت آلاف الطلاب حول العالم نتائج مشابهة، إذ قال نصف المشاركين فقط إن البكاء أحدث فرقًا ملموسًا في مزاجهم، في حين لم يشعر حوالى 40% بأي تغيير في حالتهم المزاجية، فيما عانى 10% منهم من تفاقم شعورهم بالحزن نتيجة الخجل أو الإحراج.

من هنا، يظهر أن البكاء، رغم تأثيره العاطفي الظاهر، قد لا يضمن دائمًا الراحة النفسية التي يُعتقد أنها تصاحبه.

البكاء وتأثيره الزمني المتأخر

في دراسة أخرى أجريت عام 2015، لاحظ الباحثون أن الأشخاص الذين تأثروا خلال مشاهدتهم فيلم حزين شعروا في البداية بتدهور في المزاج أكثر من أولئك الذين لم يبكوا، ومع ذلك، بعد مرور نحو تسعين دقيقة، شهد هؤلاء تحسّنًا ملحوظًا في حالتهم النفسية، يفوق حتى مزاج من لم يبكوا، ما يشير إلى أن للبكاء تأثيرًا متأخرًا على الحالة النفسية، قد يكون مرتبطًا بتغيرات فيزيولوجية مثل انخفاض مستويات هرمونات التوتر.

كما أن ظروف البكاء قد تلعب دورًا كبيرًا في فعاليته، فالبكاء في وجود شخص موثوق به، مع منح النفس الوقت الكافي للتعبير عن المشاعر، يزيد من فرص الشعور بالراحة والطمأنينة. فغالبًا ما يُنظر إلى الدموع من قبل الآخرين كنداء للمساعدة، ما يدفعهم لتقديم الدعم والتعاطف اللازمَيْن.

وفي النهاية، يبقى البكاء تجربة شخصية وعاطفية معقّدة وتختلف من فرد إلى آخر، قد يمنح بعض الأشخاص شعورًا بالارتياح والطمأنينة، بينما يترك آخرين دون تأثير يذكر أو حتى يفاقم شعورهم بالحزن، فالبكاء قد لا يكون حلًّا سحريًا، لكنه قد يكون أداة للتواصل مع الذات ومع الآخرين، وفرصة للتفريغ العاطفي… والسماح للنفس بالبكاء أحيانًا ليس ضعفًا بل خطوة نحو فهم المشاعر والتعامل معها.

المقال السابق
البابا يرد على رسالة "الحزب": اتركوا السلاح واسعواإلى الحوار
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

تشنّج الرقبة… السبب الصامت وراء ثالث أكثر الأمراض شيوعًا في العالم

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية