يديعوت احرونوت- إليزابيث تسوركوف
أحد القتلى السوريين الثلاثة عشر الذين سقطوا في عملية اقتحام الجيش الإسرائيلي لبلدة بيت جن في جنوب سورية هو حسن السعدي، وقد حظي باهتمام عام واسع لأنه قُتل قبل يوم واحد من زفافه. وكان حسن أحد شبان القرية الذين فتحوا النار على قوات الجيش الإسرائيلي التي توغلت في البلدة لاعتقال مطلوبين من الجماعة الإسلامية، وهو ما أدى إلى إصابة 6 من الجنود الإسرائيليين. وفي الصورة التي نُشرت بعد مقتله، يظهر حسن وهو يحمل بندقية من طراز “أم 16”، مع العِلم أنه لم يسرقها، بل قال اثنان من معارفه إن إسرائيل زودته بالسلاح عندما كان عضواً في فصيل معارض سوري مدعوم من إسرائيل حتى سنة 2017، في الفترة التي كانت فيها فصائل المعارضة تسيطر على جنوب سورية.
وبناءً على أبحاث أجريتها بشأن سكان جنوب سورية، فإن إسرائيل قدمت في الفترة 2013-2018 دعماً إلى أكثر من اثني عشر فصيلاً مسلحاً في محافظة القنيطرة، وغرب محافظة درعا. وساعد الدعم الإسرائيلي في منع دخول حزب الله اللبناني والميليشيات الموالية لإيران منطقة الحدود، كما سمحت إسرائيل لمقاتلي فصائل تعمل تحت اسم “الجيش السوري الحر”، وكذلك للمدنيين، بتلقّي العلاج في مستشفيات إسرائيلية. وتحت سياسة حسن الجوار، ضخت إسرائيل مساعدات إنسانية إلى جنوب سورية.
ووصفت مصادر في جنوب سورية تحدثت إليها خلال فترة الحرب أن التعاون بين إسرائيل والفصيل المهيمن في بيت جن -كتائب عمر بن الخطاب - كان واسعاً على نحو خاص، إذ تلقّى، تحت قيادة إياد كمال، أسلحة إسرائيلية. وفي سنة 2017، شدد النظام الحصار على البلدة،
وفي أواخر تلك السنة، سقطت البلدة في يد النظام على الرغم من محاولة إسرائيل مساعدة الفصائل في منع ذلك. وفي سنة 2018، استعاد النظام وحزب الله السيطرة على جنوب سورية، وانقطع الدعم الإسرائيلي للسكان والفصائل.
وقد كشفت ردة فعل إسرائيل على سقوط نظام الأسد إلى حد كبير عن الخوف من حدوث “فظائع” مشابهة لما حدث في 7 تشرين الأول/أكتوبر، كما أظهر معرفة سطحية بحكام سورية الجدد؛ فمنذ تأسيس جبهة النصرة في أواخر سنة 2011، شهد التنظيم تغييرات كبيرة، إذ يتميز أحمد الشرع (الجولاني) وثلاثة من مستشاريه المقربين -أسعد الشيباني (وزير الخارجية)، وأنس خطاب (وزير الداخلية)، وعبد الرحمن عطون (مستشار الشرع للشؤون الدينية) - بالبراغماتية ورغبتهم الشديدة في السلطة والسيطرة.
وبسبب هذه الرغبة، أدركوا أن على التنظيم التخلي عن مبادئ متش ددة غير واقعية، كفرض قوانين صارمة للزي، ومنع الممارسات الدينية الصوفية. كما أدركوا ضرورة قبول وجود الجيش التركي، وهو جيش دولة علمانية، في إدلب، إذ كانت هذه القوات ضرورية لحماية المحافظة من هجمات النظام وحلفائه. وقد قامت هذه القيادات الأربع بتصفية وفصل وسجن العناصر المتشددة داخل التنظيم ممن اعترضوا على هذا التحول، وجعلت مناهج التعليم الديني لمقاتلي التنظيم أكثر اعتدالاً.
إن الرغبة الشديدة في الحكم لهؤلاء القادة هي التي حولت جبهة النصرة من تنظيم يضم 20 مقاتلاً فقط إلى حكام سورية، وقد تشكل هذه الهيمنة خطراً على أبناء الأقليات في سورية، وربما لاحقاً على المعارضين السنّة للنظام، لكن هذا الأمر هو الذي سيضمن ألاّ يشكل حكم الشرع تهديداً على إسرائيل. فدمشق تدرك تماماً أن أي استفزاز متعمد لإسرائيل، أو حتى فقدان السيطرة على مسلحين من صفوفها، سيؤدي إلى رد ساحق من إسرائيل، من شأنه أن يطيح بحكم الشرع.
وتفتقر سياسة إسرائيل إزاء سورية منذ سقوط نظام الأسد إلى هدف شامل وواضح. وقد تسبب وجود الجنود الإسرائيليين في سورية بنشوء احتكاكات مع السكان المدنيين، وأججت تصرفات الجيش الإسرائيلي عداء السكان المحليين: فرض حظر التجول على القرى، وتدمير البساتين، ومنع الوصول إلى الحقول الزراعية ومناطق الرعي، وهي مصادر الرزق الرئيسية في هذه المناطق الفقيرة من سورية.
إسرائيل في حاجة إلى حكم مستقر في دمشق، وقادر على منع تهريب السلاح إلى حزب الله، وردع خلايا فلسطينية تُدار من إيران. لكن سياسة إسرائيل الحالية تزيد عدم استقرار الحكم وتقوض أهدافها. وإلى جانب الحاجة إلى حكم سوري مستقر، ينبغي لإسرائيل السعي لتقليص نفوذ تركيا وقطر في سورية، والطريق إلى ذلك يمر عبر توسيع التحالفات مع الحكم في دمشق وتنويعها. أمّا الاتفاق الأمني مع دمشق، الذي تُجرى بشأنه مفاوضات منذ أشهر، فهو خطوة أولى ومهمة في هذا الاتجاه.
