يديعوت احرونوت/ حاييم غولوفنيتش
برزت قضيتان ملتهبتان في الأمن القومي الإسرائيلي، هما نزع السلاح في لبنان وغزة. فعلى الرغم من النجاح الظاهري في تفكيك “محور المقاومة” الإيراني، وعلى الرغم من المسعى الإسرائيلي للفصل بين الساحتين، فإن الترابط بينهما لم يكن يوماً أكثر إحكاماً مما هو عليه الآن. والفشل في نزع سلاح حزب الله سيُربك المشهد ويقضي نهائياً تقريباً على فرصة تنفيذ خطوة مشابهة في غزة.
> الفشل في نزع سلاح حزب الله سيُربك المشهد ويقضي نهائياً تقريباً على فرصة تنفيذ خطوة مشابهة في غزة
إن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان في تشرين الثاني/نوفمبر 2024 وتأليف حكومة سلام - عون أثارا أملاً متجدداً في بلد مدمر. فالضربة القاسية التي تلقّاها حزب الله بدت، آنذاك، كأنها نافذة لإعادة إعمار لبنان ونزع سلاح المقاومة.
إن الولايات المتحدة، من خلال توم برّاك ومورغان أورتاغوس، إلى جانب ممثل المملكة العربية السعودية يزيد بن فرحان، لعبوا دوراً مركزياً في تشكيل الواقع الذي أعقب الحرب. ويقال في لبنان إن بن فرحان يتمتع بنفوذ واسع لدى رئيس الوزراء نواف سلام، الذي بات بمثابة الناطق غير الرسمي باسم الرياض في قضايا الحكم والاقتصاد.
إن الأزمة الاقتصادية العميقة والأضرار الهائلة الناتجة من القتال - نحو 14 مليار دولار، بحسب التقديرات - عززت لدى الغرب والدول العربية الشعور بأن نزع سلاح حزب الله شرط لإعادة إعمار الدولة.
جوفي هذا السياق، جرى عقد “قمة الخمس”، الهادفة إلى بلورة مقاربة دولية للإعمار والأمن. ونصّت التفاهمات التي جرى التوصل إليها على انسحاب إسرائيل من لبنان حتى شباط/فبراير 2025. لكن فعلياً، نشأ وضع قائم جديد: انسحبت إسرائيل جزئياً فقط، واحتفظت بخمس نقاط سيطرة استراتيجية، بدعم أميركي.
وهكذا نشأ نموذج فريد في نوعه - “وقف إطلاق نار مع اغتيالات” - حالة يُحافَظ فيها على هدوء نسبي، بينما تواصل إسرائيل عمليات عسكرية مركزة بصورة شبه يومية.
بالنسبة إلى إسرائيل، هناك سيطرة محدودة، لكنها ضرورية للحفاظ على الردع؛ وبالنسبة إلى حزب الله، فهذا انتهاك مستمر لسيادة لبنان. ويقول الحزب إن إسرائيل قامت بأكثر من 5000 خرق للاتفاق منذ توقيعه.
في الأشهر الأولى بعد الاتفاق، سادت في لبنان حالة استقرار حذِر، لكن منذ نيسان/أبريل الماضي، تغيّرت الصورة. فحزب الله الذي ضعُف في البداية، عاد إلى استعادة قوته ونفوذه. وبدعم من إيران، أعاد بناء منظومة القيادة والسلاح، واستعاد ثقته بالعمل العلني. وفي موازاة ذلك، حاولت الحكومة اللبنانية عرض خطوات رمزية - مثل النزع الجزئي للسلاح في المخيمات الفلسطينية- لكن من دون تغيير فعلي. واتضح أن الهدوء النسبي كان موقتاً. فنشأ في لبنان وضع انتقالي: حكومة ضعيفة تعتمد على الخارج اقتصادياً، وجيش محدود الإمكانات، وحزب الله يتعزز، عسكرياً وسياسياً، كأنه لم يُهزم مطلقاً.
على الرغم من قرار الحكومة بشأن تكليف الجيش اللبناني مهمة نزع السلاح، فإن قائد الجيش رودولف هيكل يرفض مواجهة حزب الله - بسبب ضعف الجيش وتركيبته في آن معاً؛ والتوتر بين الرئيس عون ورئيس الوزراء سلام يتصاعد، والعلاقات بينهما في أدنى مستوياتها على الإطلاق. وبدافع اليأس، عرض عون على إسرائيل مفاوضات غير مباشرة، في مقابل وقف الهجمات مدة شهرين، الأمر الذي رفضته إسرائيل، وردّت واشنطن بتشديد لهجتها، على الرغم من تقديمها نحو 200 مليون دولار هذا العام، دعماً للجيش اللبناني.
طوال أعوام، كان بين حزب الله و”حماس” تنسيق وثيق، سياسياً وعسكرياً، وبرعاية إيرانية. وبعد عامين من القتال، جدّدا آلية التنسيق في ما بينهما. تتابع “حماس” ما يجري في لبنان بقلق، وتخشى من أن تحاول إسرائيل تطبيق “النموذج اللبناني” في غزة، نزع السلاح بالتدريج، أو بشكل جزئي. وفي الوقت نفسه، تستلهم تجربة حزب الله: إذ يرفض قادة “حماس” أي نزع فعلي للسلاح، ويطرحون “حلولاً وهمية”، مثل تسليم السلاح لجهات عربية فقط، وفق شروط غير واقعية، مثل إنشاء دولة فلسطينية، عاصمتها القدس.
بات الخط الرابط ما بين لبنان وغزة أوضح من أي وقت، وبقيت فكرة “المقاومة” العمود الفقري للوعي الإقليمي. سواء تعلّق الأمر بحزب الله، أو بـ”حماس”، فإن حق امتلاك السلاح يُعتبر أساساً وجودياً وحجر الزاوية في نضالهما، ويحظى بدعم شعبي واسع.
إن فشل نزع سلاح حزب الله - سواء عبر التفاوض، أو نتيجة صراع داخلي في لبنان- سيدفن نهائياً فرصة نزع سلاح “حماس”، عبر الدبلوماسية.
فمن دون حسم في لبنان، لا يمكن تحقيق حسم في غزة؛ والساحتان اللتان فُصلتا، اصطناعياً، عادتا إلى تشكيل كتلة واحدة من المقاومة.
