كفير تشوفا- يديعوت أحرونوت
اتّضح في الساعات الأخيرة عُمق الانقسام في الجنوب السوري. إذ تتعرض الطائفة الدرزية في محافظة السويداء، وهي من الشركاء الهادئين والموثوقين لإسرائيل على الحدود الشمالية، لهجوم منسّق من النظام الجديد في دمشق وقوات محلية موالية له. وتشير تقارير ميدانية إلى سقوط عشرات القتلى، وعمليات نزوح جماعية للمدنيين، ومحاولة عسكرية للقضاء على بؤر المقاومة الدرزية في المنطقة. يُعد هذا الحدث دراماتيكياً، ويأتي بالتزامن مع تجدُّد النقاش في إسرائيل والغرب بشأن اتفاق محتمل مع نظام أحمد الشرع، الذي خلفَ بشار الأسد، ويحظى بدعم تركيا وقطر.
عُقد مؤتمر دولي في تركيا، في نهاية شهر حزيران/يونيو، شارك فيه المئات من رجال الدين المسلمين، وصدرت عنه فتوى مثيرة للجدل: اعتُبر هجوم 7 أكتوبر “جهاداً مشروعاً”، رافضاً شرعية وجود إسرائيل، كذلك اعتُبر أيّ تعاون معها خيانة. عُقد المؤتمر في إستانبول، برعاية أيديولوجية من الحكومة التركية، وبدعم من اتحادات إسلامية من مختلف أنحاء العالم. لم يُدلِ الرئيس أردوغان بأيّ تصريح مباشر، لكن صمته المدوّي كان أبلغ من الكلام.
وبينما يتعامل الغرب مع هذه التطورات على أنها فرصة للاستقرار، يجب على إسرائيل النظر إلى الواقع بعينين مفتوحتين. فخلف اقتراح اتفاق “عدم الاعتداء”، يختبئ سعيٌ لتطبيع إقليمي يخدم مصالح المحور السنّي -الإسلامي، ويضع إسرائيل أمام تهديد متعدد الطبقات.
إن الرسالة لإسرائيل واضحة: تسعى تركيا وقطر لفرض نفوذهما في سورية باستخدام أدوات دبلوماسية ناعمة. من منظور نظرية الألعاب، يُعد هذا مثالاً لـ”لعبة الخداع الاستراتيجي (Strategic Deception Game)”، حين يقدّم أحد الأطراف مصالحة وهمية لكسب الوقت وتعزيز موقعه، استعداداً لصدام مستقبلي.
على سبيل المثال، حالياً، تُشكَّل مبادرة تجارية جديدة تربط ما بين السعودية والأردن وسورية وتركيا، من دون المرور بإسرائيل. وإذا اعترفت إسرائيل بشرعية سلطة الجولاني في سورية، فإنها ستُمنح موطئ قدم قانونياً في هذا الممر، وهو ما سيؤدي إلى انهيار مشروع الهند – إسرائيل- أوروبا، ويجعل إسرائيل تفقد موقعها كممر استراتيجي بين الشرق والغرب. في غضون ذلك، تسيطر على سورية اليوم ائتلافات من فصائل إسلامية، بعضها يحمل أجندة جهادية معلنة. ومن هنا، فإن منحهم الشرعية السياسية عبر اتفاق، سيوفر لهم الوقت والميزانيات والشرعية لبناء جيش قد يقف يوماً ما على حدود إسرائيل بنيّات واضحة.
كذلك، قد تتضرر حرية العمل الجوي لسلاح الجو الإسرائيلي. فالقواعد العسكرية التركية في سورية، والتي ستنشأ تحت غطاء “التعاون الأمني”، قد تقلّص قدرات الردع والعمليات الاستراتيجية ضد إيران وحزب الله وتهريب الأسلحة. على الساحة الدولية، قد تؤدي سياسة “التهدئة” إلى تشجيع الغرب على رفع العقوبات عن تركيا والسماح لها بشراء طائراتF-35 ، وهي خطوة قد تخلّ بتوازن القوى الجوية في الشرق الأوسط، لأول مرة منذ الثمانينيات.
ولا يقلّ خطورة عن ذلك، التخلي عن شركائنا الصامتين على مرّ السنين، الدروز في الجنوب والأكراد في الشمال. حالياً، يدفع هؤلاء ثمناً دموياً. وإذا لم تطلب إسرائيل ضمانات واضحة لحماية هذه المجموعات، كجزء من أيّ اتفاق، فلن تخسر حلفاءها فحسب، بل أيضاً أحد أدوات الاستقرار الأكثر فاعلية على حدودها.
ما يبدو اليوم كأنه اتفاق تهدئة، قد يتضح غداً أنه خطأ استراتيجي فادح وتكلفته باهظة. على إسرائيل الإصرار على شروط واضحة، وألّا تنجرّ وراء وهْم “عدم الاعتداء” الذي صمّمه الآخرون من أجل خدمة مصالحهم.