كوبي ماروم/ القناة ١٢
تشهد الحدود الشمالية للبنان تصاعداً ملحوظاً في التوتر، يتمثل في ارتفاع وتيرة الخروقات ومحاولات حزب الله إعادة بناء وجوده في الجنوب اللبناني ومناطق أخرى، بالتوازي مع تكثيف الهجمات الإسرائيلية على الجنوب وبقية المناطق اللبنانية.
وبحسب اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في كانون الأول/ديسمبر 2024، كان من المفترض أن يتخذ الجيش اللبناني خطوات لتفكيك حزب الله جنوب نهر الليطاني. وفي هذا السياق، اتخذت الحكومة اللبنانية قراراً يقضي بأن يكون الجيش اللبناني القوة العسكرية الوحيدة في البلاد، مع مهلة لتنفيذ القرار حتى نهاية العام الجاري. إلا أن الفجوة بين التصريحات الرسمية والتطبيق الميداني لا تزال واضحة.
ضغوط إسرائيلية وأميركية مقابل ضعف داخلي
رغم الضربات القاسية التي تلقاها حزب الله من الجيش الإسرائيلي، والتي شملت اغتيال قيادات ومهاجمة البنى التحتية، لا يزال الحزب يحتفظ بنحو 40 ألف مقاتل وعشرات الآلاف من الصواريخ والقذائف، ما يشكل تهديداً مستمراً لشمال إسرائيل. كما يعاني الحزب من أزمة مالية حادة نتيجة تعثر الدعم الإيراني، إلى جانب تراجع مكانته السياسية والاجتماعية داخلياً.
الجيش اللبناني، من جهته، يعمل على تدمير أنفاق وملاجئ في الجنوب، وينفذ عمليات داخل مخيمات اللاجئين ضد بنى تحتية فلسطينية، لكنه لا يوقف عناصر حزب الله أو يصادر أسلحتهم، ما يُعد خرقاً واضحاً للاتفاق.
ويُعزى هذا التراخي إلى ضعف قدرات الجيش اللبناني، إضافة إلى أن نحو 30% من عناصره ينتمون للطائفة الشيعية، ما يخلق حساسية في مواجهة الحزب. كما لا توجد رغبة سياسية قوية حالياً في الدخول بمواجهة مباشرة.
البقاع مركز ثقل جديد لحزب الله
في ظل هذا الواقع، يواصل حزب الله إعادة بناء قدراته، لا سيما في منطقة البقاع التي تحولت إلى مركز ثقل جديد له، وتشهد محاولات لإنتاج صواريخ وطائرات مسيّرة. كما يستمر تهريب الأسلحة من سورية، مستفيداً من ضعف سيطرة الرئيس السوري أحمد الشرع على كامل الأراضي السورية.
آلية الرقابة الأميركية، بقيادة جنرال من “سنتكوم”، تنقل معلومات استخباراتية دقيقة إلى إسرائيل، التي تمنح الجيش اللبناني مهلة 24 ساعة للتعامل مع أي تهديد، قبل أن تتدخل بنفسها لتدمير البنية المستهدفة.
إيران لم تتخلّ عن “جوهرة التاج”
رغم مرور عام تقريباً على وقف إطلاق النار، لا تزال إيران تتدخل بعمق في لبنان، وتسعى لإحياء رؤية قاسم سليماني لـ”حلقة النار” المحيطة بإسرائيل، حيث يشكل حزب الله ركيزة أساسية في هذا المشروع.
هل الحرب الشاملة على لبنان مسألة وقت؟
المطلب الإسرائيلي والأميركي واضح: تفكيك بنى حزب الله. لكن هذا قد يؤدي إلى احتكاك مباشر، وربما إلى حرب أهلية داخل لبنان. الانتخابات النيابية المقبلة في أيار/مايو 2026 ستكون اختباراً حاسماً لموقف الشعب اللبناني من الرئيس جوزاف عون وحكومته، التي تتبنى خطاً معادياً لحزب الله وتسعى لتفكيكه. في المقابل، تفكر إسرائيل في خيار الهجوم الواسع على البقاع، رغم مخاطره، خصوصاً مع عودة سكان الشمال إلى منازلهم بعد النزوح، ومحاولتهم إعادة بناء حياتهم.
إعادة الإعمار مشروطة بتفكيك الحزب
الجهود الأميركية والسعودية لإعادة إعمار لبنان مشروطة بتفكيك سلاح حزب الله، وهو تحدٍّ كبير للقيادة اللبنانية، خاصة للرئيس عون ورئيس الحكومة نواف سلام، اللذين يقودان مواجهة سياسية وأمنية ضد الحزب.
ثمة فرصة استراتيجية نادرة أمام لبنان، في ظل تراجع المحور الإيراني في سورية وأماكن أخرى. ومع تنسيق حكيم مع الولايات الم تحدة، يمكن خلق واقع أمني مختلف في لبنان، لكن ذلك قد لا يتحقق من دون تدخل إسرائيلي واسع إذا لم تنجح الضغوط الدبلوماسية.
