ليست مجرد كوميديا سوداء، هي أقرب الى الحقيقة: لا يدع العدو الإسرائيلي مجالا للشك في أنه بات يستهدف أعضاء الماكينة الانتخابية (المدنية) ل”حزب الله”، بعدما أنجز مهمة تصفية قيادته العسكرية وتفكيك بنيته القتالية، وبعدما دمّر مخازن سلاحه الثقيل والمتوسط على مختلف الأراضي اللبنانية..وشرع في تنفيذ خططه السياسية البعيدة المدى في لبنان.
هذه الخطط كانت ولا تزال عنواناً للكثير من التكهنات والسقطات اللبنانية، التي بلغت حد الإيحاء باستعداد لبنان للتفاوض مع إسرائيل، على قاعدة ان الجو العربي والعالمي مؤات لحقبة جديدة من السلام العربي الاسرائيلي، بعد اتفاق تبادل الرهائن بين إسرائيل وحركة حماس في غزة، الذي صنفته الدعاية الأميركية كإختراق تاريخي يغير وجه الشرق الأوسط..وعلى أساس أنه لا مفر للبنان من ان يفاوض ويوقع، لكي يسترد أرضه المحتلة ويعيد المهجرين الى قراهم الحدودية ويعمّر ما هدمته الحرب.
لكن هذه العروض اللبنانية المجانية، التي حفزتها ورقة للمبعوث الأميركي طوم براك، الذي يبدو أنه صار يعتمد على “كَتَبةٍ لبنانيين” لأفكاره وتغريداته، أكثر مما يستعين بأفكار خبراء اميركيين من البيت الأبيض او وزارة الخارجية..جوبهت بالرفض من واشنطن وتل ابيب، لا سيما اقتراحه او رغبته الخاصة برعاية مفاوضات ثنائية بين لبنان وإسرائيل، خارج إطار اللجنة الخماسية المعنية باتفاق وقف النار الذي لم ينفذ حتى الآن. وهو ما اضطره الى دفع اتهاماته لحزب الله بخرق ذلك الاتفاق الى مستوى جديد عندما قال ان الحزب ينوي تأجيل الانتخابات النيابية، التي يعرف المبتدىء في السياسة اللبنانية أن الحزب ومختلف القوى السياسية اللبنانية تصر على إجرائها في موعدها لاقتناص فرصة لا تعوض للاحتفاظ بالمقاعد النيابية الحالية او حتى زيادتها لاربعة أعوام جديدة.
لكن هنا ، ثمة ما يشي بأن لإسرائيل رأياً آخر، بعدما فرغت من هّم السلاح ومخازنه، التي لم تعد طائراتها تعثر عليها، ولا تجد مخزناً خفياً تستطيع ان ترشد الجيش اللبناني عليه لمصادرته وتفجيره، مثلما كانت تفعل في الشهور الماضية. المهمة الآن بالنسبة الى الإسرائيليين هي العمل على تفكيك الجناح العسكري للحزب، او ما تبقى من بنيانه وعناصره وأنصاره..في خطوة تتطابق الى حد بعيد مع ما يجري في قطاع غزة، ومساعي تجريد حركة حماس من السلاح وتفكيك جناحها العسكري كلياً. وعلى هذا المنوال يجري البحث عن قوة بديلة لملء فراغ الحركة في غزة والحزب في لبنان، بقوة دولية او متعددة الجنسيات او بالجيش اللبناني والسلطة الفلسطينية. المهم ألا يبقى للحركة والحزب أي وجود عسكري او أمني، تمهيداً لإستئصال التنظيمين من السياسة الفلسطينية واللبنانية. حح هذا هو هدف المرحلة بالنسبة الى الإسرائيليين. وهو في الحالتين اللبنانية والفلسطينية يعادل التدخل في العملية الانتخابية المرتقبة في قطاع غزة ولبنان، وان كان يبدو حتى الآن ان ثمة فارقاً مهماً هو ان حزب الله لم يصبح حتى الآن منبوذاً أو محظوراً قانونياً مثل حركة حماس، وهو يتمتع بهامش سياسي واسع..يرجح ان يضيق في الأشهر القليلة المقبلة، بفعل الضغط العسكري الإسرائيلي، وبفعل الضغط السياسي الأميركي الذي يمكن ان يخرجه من المعركة الانتخابية المقبلة، ويعطل دور ماكينته الانتخابية المستهدفة حالياً، ويحرمه تالياً من فرصة تقديم لائحة مرشحين بإسمه.. إذا فشل في تنفيذ طلب تفكيك جناحه العسكري، وإذا لم يغير سلوك وزرائه داخل الحكومة الحالية.
