"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

تداعيات سيطرة "الغرباء" على لبنان: انحدار عيتا الفخار ١٩٦٨ ـ ٢٠٠٥ نموذجًا (4)

ابراهيم ناصر
الأحد، 12 يناير 2025

تداعيات سيطرة "الغرباء" على لبنان: انحدار عيتا الفخار ١٩٦٨ ـ ٢٠٠٥ نموذجًا (4)

ثبّت ياسر عرفات موقعه كزعيم أوحد للشعب الفلسطيني واكتسب هيبة رجل الدولة على المستوى الدولي. معه اصبحت منظمة التحرير مؤسسة قوية تتمتّع بصفات “شبه دولتيّة”، بنظر الحكومات والمنظمات الإقليمية والدولية، وتدفقت عليها المساعدات العينيّة والتسليحيّة من عدد كبير من الدول وتلقت تمويلًا سخيًّا بخاصة من دول الخليج الأمر الذي بات يشهد عليه مستوى الحياة والانفاق العاليين لكوادرها وكذلك تجهيزها العالي بالمعدات سواء كانت مدنية أو عسكرية.

وفي لبنان غدت “م. ت.ف” دولة في قلب دولة وأصبح زعيمها شخصيّة أساسيّة لا يمكن تجاوزه في السياسة المحليّة.

وفي عيتا الفخّار، ايضًا كان من السهل ملاحظة هذا التطور في الوضع الفلسطيني. القائد الثوري شبه المتخفي الذي أقام فيها أشهرًا عدّة، في بداية الحرب صار يأتيها في زيارات قصيرة لبضع ساعات: يعطي التعليمات لضباطه، يتناول الطعام مع محبّيه، يسلم بحرارة وابتسامة على من يلتقيهم من الأهالي ويلقي خطابًا يلهب المشاعر أمام جمهور لا يخفي اعجابه بهذا القائد صاحب الكاريسما.

هذا النوع من الزيارات الى عيتا الفخار، كان يتكرر مرتين او ثلاث مرات سنويًا، وذلك الى حين إخراج “م.ت.ف” من لبنان العام ١٩٨٢ والذي استكملته سوريا في العام ١٩٨٣.

ياسر عرفات تحية

وبمناسبة واحدة من آخر زياراته الى عيتا الفخار، قرّر كوادره في البلدة استقبال ياسر عرافات على طريقة استقبال رؤساء الدول. أحد الشهود يروي الواقعة: “كنت شاهدًا لزيارة قام بها أبو عمّار للبلدة، قبل عام تقريبًا، اجلائه وقواته عن لبنان. كانت زيارة علنية بدأت من ساحة كنيسة البلدة. عند وصوله استقبله أعيان البلدة. في هذا الوقت اصطفت مجموعة من مقاتلي فتح ارتدت، للمناسبة ما يشبه لباس الحرس الوطني وأهبّت لاستقباله بروتوكليًّا على طريقة استقبال الرؤساء. ظهر على ابو عمار أنّه كان مستعدًا لذلك. تقدّم باتجهاههم الا ان العملية لم تخلُ من الكثير من الأخطاء لنقص في التدريب او عن عدم اقتناع. لم يتأثر ابو عمار من فشل المحاولة وطلب الإعادة وكان له ما اراد “.

ياسر عرفات أصبح يتصرّف كرئيس دولة وكوادره باتوا يعيشون حالة ثراء ظاهرة

لم يعد هناك أيّ شبه بين رجال “فتح” في عيتا والفدائيين الأوائل المنهكين والمتخفّين. حياتهم باتت تتميّز بالبحبوحة والترف وصاروا يتصرفون كأسياد في محيطهم. لقد تزايد عدد الضباط بشكل كبير. يتبخترون بملابس أنيقة ويتناولون وجبات غذائية فاخرة. تحت تصرّفهم اسطول من جيبات تويوتا الجديدة لتنقلاتهم يقودها سائق مخصص لكل ضابط. جذبت البحبوحة المالية الظاهرة المتطوعين من كلّ الجنسيات. في شوارع البلدة لم يعد نادرًا الالتقاء بسوريين وسودانيين وصوماليين ويمنيين ومصريين وحتى بنغاليين، في صفوف حركة فتح. البنغاليّون لا يتكلمون العربية لكن بعض الكلمات التي تعلموها كانت تسمح لهم بالقول انهم يعملون في شركة فتح!

الشاحنات العسكرية تعمل دون توقف، جيئة وذهابًا، لتحميل وتفريغ المعدات الجديدة وبخاصة السلاح المخزن في مستودعات ضخمة حفرت في نطاق البلدة ضمن الاملاك الخاصة وحصنت من كل جوانبها بحوائط سميكة من الخرسانة المسلحة. داخل معسكرات التدريب المنتشرة حول البلدة ينقل الكوادرالفلسطينيون خبراتهم الأمنية والقتالية لمنظمات ثورية من كل الاتجاهات مثل معارضي شاه ايران والاكراد وجيش التحرير الايرلندي.

“بنغاليو” المقاومة الفلسطينيّة كانوا بعربيتّهم المحدودة يطلقون على “فتح” إسم …شركة فتح

في العام ١٩٧٨ احتلت اسرائيل جزءًا من جنوب لبنان وحوّلته الى حزام امني لإبعاد “الخطر الفلسطيني” عن حدودها الشمالية. طوّر الفلسطينيون أسلحتهم وتكتيكاتهم العسكرية ونجحوا في مواصلة التحرّش باسرائيل عبر الحدود اللبنانية. كانت اسرائيل ترد بعنف في العمق اللبناني مستخدمة بشكل خاص سلاح الجو الفتّاك. بالنسبة للقيادة الفلسطينية لم يكن ذلك الا دليلًا على نجاح استراتيجيتهم في استفزاز اسرائيل والضغط الدائم عليها.

دبابات سورية محطمة

اجتياع العام 1982

في حزيران ١٩٨٢ قررت اسرائيل تغيير قواعد اللعبة جذريًّا وبدأت باجتياح لبنان وصولًا الى احتلال العاصمة بيروت.

انطلقت العملية الاسرائيلية ظهر ٦ حزيران بقصف مكثّف على بيروت وجنوب لبنان. تلا ذلك في اليوم نفسه هجوم بري على خطوط الساحل والداخل والشرق مستهدفة المواقع الفلسطينية بشكل خاص. على كافة الخطوط كان التوغل الاسرائيلي سريعًا. تفاجأ الرئيس السوري حافظ الأسد باتساع رقعة هذه الحرب التي لم يكن مستعدًّا لها وغير راغب بها، وخشي من تقدّم اسرائيلي سريع على الخط الشرقي يمكن ان يهدد دمشق. على عجل قرر حافظ الاسد اقحام جيشه بقوة في محاولة لوقف التقدم الاسرائيلي. قوافل على طول عشرات الكيلومترات من المدرعات حديثة التجهيز ترافقها الآليات والشاحنات تدخل البقاع اللبناني من طريق حمص بعلبك وأخرى من بوابة المصنع الحدودية باتجاه جنوب البقاع. كان الاسد قد نشر سابقًا في البقاع بطاريات صواريخ مضادة للطائرات اعتبرت كافية بنظر جنرالاته مع سلاح الطيران لحماية تقدم مدرعاته المتوجهة جنوبًا للالتحام مع الجيش الاسرائيلي. في ٩ حزيران كثف الجيش الاسرائيلي ضغطه على الجبهة الشرقية مدمّرًا كل بطاريات الصواريخ السورية. تلت ذلك معركة جوية سقطت خلالها عشرات المقاتلات السورية والطوافات. قوافل المدرعات التي توغلت جنوبا باتت من دون غطاء جوي ومكشوفة تماما للطيران الاسرائيلي الذي لن يتوانى عن تدميرها خلال ساعات معدودة. مشاهد مروعة للدبابات والعربات المحترقة من شمال بعلبك وصولا الى راشيا الوادي جنوبا. القتلى والجرحى بالآلاف يملأون هذا الطريق ويحترقون داخل آلياتهم.

منذ الساعات الاولى لبدء الغزو دفعت القيادة الفلسطينية الى عيتا بالعدد الأكبر من مقاتليها جنوبًا للالتحاق بالجبهة. امام التطور الكارثي للاحداث بدأ من نجا منهم بالانسحاب ليأتي دور من تبقّى في عيتا مع افراد القيادة، فهربوا نحو الشمال على عجل تاركين خلفهم كلّ التجهيزات ومخازن السلاح.

يتبع

الحلقة الأولى

الحلقة الثانية

الحلقة الثالثة

المقال السابق
مسألة «الصراع» و«القضيّة» اليوم!

ابراهيم ناصر

باحث سياسي واجتماعي

مقالات ذات صلة

اسرائيل تكثف دراسة خططها العسكرية الخاصة بلبنان: اجتماعات وتهديدات وسيناريوهات

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية