"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

تداعيات سيطرة "الغرباء" على لبنان: انحدار عيتا الفخار ١٩٦٨ ـ ٢٠٠٥ نموذجًا (3)

ابراهيم ناصر
الخميس، 9 يناير 2025

تداعيات سيطرة "الغرباء" على لبنان: انحدار عيتا الفخار ١٩٦٨ ـ ٢٠٠٥ نموذجًا (3)

للإطلاع على الحلقة الأولى من هذه السلسلة، إنقر/ ي هنا

للإطلاع على الحلقة الثنية من هذه السلسلة، إنقر/ ي هنا

خلافًا للمنطق، ومع توسّع الانتشار الفلسطيني في عيتا الفخّار ومحيطها، شهدت البلدة خلال الشهور الأولى لاندلاع الحروب في لبنان، انتعاشًا وحيوية لافتين، وهربت عشرات العائلات المقيمة في بيروت من هول المعارك هناك والتجأت الى عيتا التي بات طريقها الرئيسي يعج بالمتنزهين من كل الاعمار في فترات بعد الظهر، ومقاهيها ممتلئة بالروّاد، ونشطت الحياة الزراعيّة والرياضيّة والكشفية ناهيك عن السهرات.

ولكن ما كان لابد من حصوله حصل، وبدأت ملامح الاختلال في حياة البلدة بالظهور. ترافق أوّل شتاء في الحرب مع انخفاض عام بمدخول السكان وازمات متكررة بامدادات الفيول المنزلي الضروري للتدفئة. في ظل هذا الواقع، وفي موازاة تلاشي سلطات الدولة توجّه السكان الى غابات السنديان المحيطة بالبلدة لتأمين حطب التدفئة. أحراج كاملة من السنديان المعمر تلاشت خلال بضعة اشهر فقط. غالبية المسلمين ممّن تركوا العاصمة وجدوا أنفسهم محشورين مع عائلاتهم في بيوت اهلهم الضيقة والمتواضعة. وبما انّهم لا يملكون في البلدة أراض صالحة للبناء قام أحدهم بعدما حاول يائسًا ايواء عائلته الكبيرة بالحد الادنى من السكن اللائق ضمن بيوت البلدة بوضع يده على ارض تملكها الدولة اللبنانية على الطريق الرئيسي المؤدي الى البلدة وبدأ ببناء منزل. تسّبب ذلك ببعض البلبلة لكنّ البناء استمر من دون عواقب اساسية مانعة ممّا شجّع عدد كبير من السكان في وضع مماثل على القيام بنفس العمل . خلال أشهر قليلة انتصبت في مشاع البلدة على طول الطريق العام عشرات الهياكل الخرسانية أقيمت بشكل عشوائي، ولم ينته استكمال بنائها، قبل مرور سنوات عدّة، إلا انها كانت ضرورية لإيواء الكثير من العائلات الفقيرة.

تأثير الحرب على عيتا الفخّار بدأ بانتشار كبير لمخالفات البناء وبالقضاء على الأحراج

الدخول السوري

بعد عام تقريبا من بداية الحروب في لبنان مالت الكفة لمصلحة قوى اليسار المدعومة من منطمة التحرير الفلسطينية، حتى باتت على وشك انزال الضربة القاضية بفريق اليمين ذي الاغلبية المسيحية. لم ينظر الرئيس السوري حافظ الاسد بعين الرضا لتطور الاحداث. اعتبر ان انتصار اليسار في لبنان وخروج “م. ت. ف” عن نفوده وسيطرتها على لبنان بمثابة كابوس يتوجب عليه منعه بأي ثمن، فكان قراره بالتدخل عسكريًّا لقلب المعادلة، وكسب الى جانبه دعم الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية التي وضعت له شرطًا واحدًا لتدخله العسكري تمثل بعدم ادخال الجيش السوري الى جنوب لبنان وتهديد أمن اسرائيل على حدودها الشمالية.

في غضون بضعة اسابيع نجح الجيش السوري بهزيمة قوى اليسار والفصائل الفلسطينية التي أُجبرت على اعادة التموضع في مخيمات اللاجئين. من عيتا انسحب عناصر فتح من البلدة ومحيطها بعد تبادل سريع لاطلاق النار مع بعض عناصر منظمة الصاعقة، وهي منظمة مسلحة فلسطينية تحت الامرة المباشرة للنظام السوري. بعد خروج قوات فتح بقي في البلدة بعض عناصر الصاعقة لكنّ عددهم لا يقارن بما كانت عليه كثافة الانتشار الفتحاوي.

السادات في اسرائيل

لكنّ هذا الواقع الجديد لم يدم طويلًا وعاد الى التبدل. لقد قام الرئيس المصري بزيارته المفاجئة الى القدس عارضًا السلام على إسرائيل. قاد حافظ الاسد حملة دبلوماسية على المستوى العربي لعزل مصر ونجح في ذلك كما أعاد تحالفه مع “ابو عمار” واليسار اللبناني وابتعد عن اليمين. وبذلك استعادت “فتح” حرية الحركة في المناطق التي كانت تهيمن عليها قبل التدخل العسكري السوري.

حافظ الأسد

عودة فتح الى عيتا الفخّار، هذه المرة، جاءت أقوى من السابق. قرّر ابو عمار ان تكون البلدة مركزًا لقيادة “لواء قوات الكرامة”، أحد الألوية العسكرية لفتح الذي تنتشر قواته من البقاع حتى الجنوب اللبناني. منازل عدة في البلدة تمّت مصادرتها أو استئجارها أو وضعت بالتصرف من قبل أصحابها لاستقبال الاقسام المختلفة لهذه القيادة: مكاتب الأركان، مركز الأمن والمعلومات، سلاح الاشارة، السجن، التخزين، المطبخ المركزي، الصيدلية والطبابة، المصبغة، مستودعات السلاح، منازل لمنامة الضباط …

وهكذا، انتشرت المراكز الفلسطينية في كل أنحاء البلدة وأصبحت مصدرًا لحركة كثيفة لا تتوقف بالتوازي مع نمط حياة السكان القرويين الهادئ. وعلى أطراف البلدة تكاثرت المراكز العسكرية ومعسكرات التدريب ومستودعات تخزين السلاح وشقت الطرق لتأمين التواصل بين كل هذه المراكز.

سيطرة “فتح” على عيتا الفخار هجّرت المسيحييّين وقضت على نمط الحياة في البلدة إلى غير رجعة

إنّ فترة الحيوية التي شهدتها عيتا الفخّار، خلال الشهور الأولى من الحرب كانت عابرة. مسيحيو البلدة على صورة مسيحيي لبنان الذين تصدوا بغالبيتهم لصعود النفوذ الفلسطيني في لبنان أحسّوا بالمهانة وبعدم الامان بعد سيطرة فتح على بلدتهم. وشيئًا فشيئًا تضاءلت أعداد المقيمين منهم في البلدة. البعض انتقل للإستقرار في المناطق التي تخضع لسيطرة الميليشيات المسيحية وبخاصة بيروت الشرقية من دون امكانية العودة الى البلدة ولو بشكل متقطع.

فتح

تسارعت ايضًا موجة هجرة المسيحيين الى القارة الاميركية. حتى نهاية السبعينات لم يبق منهم في عيتا الفخّار، أكثر من الخمس. معظم منازلهم ذات السطوح القرميدية والمبنية من الحجر المقصوب في الربع الأخير من القرن الثامن عشر والنصف الأول من القرن العشرين أصبحت مهجورة او مصادرة. اختفت المهن التقليدية واحدة تلو الاخرى. صناعة الفخار التقليدية لقيت المصير نفسه. هجرت الاراضي الزراعية، وفي غضون سنوات معدودة تمّ القضاء على نمط من الحياة الزراعية والريفية كان سائدًا لقرون من الزمن، ولغير رجعة.

(يتبع)

المقال السابق
إسرائيل "تسعى" الى تقسيم سوريا ولكن!

ابراهيم ناصر

باحث سياسي واجتماعي

مقالات ذات صلة

تحليل عبري / هناك شك في أن تحقق إسرائيل أهدافها في لبنان من دون هجوم واسع على بنى حزب الله التحتية في عموم البلد

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية