تشهد محافظة السويداء السورية تحولات غير مسبوقة داخل الطائفة الدرزية، على المستويين الديني والعسكري، في ظل تصاعد الانقسام بين المرجعيات التقليدية والفصائل المسلحة، وانعكاسات ذلك على العلاقة المتوترة مع حكومة دمشق.
🔸 تعدد المرجعيات وانقسام المواقف
تتمركز الزعامات الدرزية في السويداء حول ثلاث مرجعيات دينية تاريخية: آل الهجري، آل الحناوي، وآل جربوع، التي شكلت لسنوات مصدرًا شرعيًا في الحياة الدينية والاجتماعية داخل المجتمع المحلي، فضلاً عن دورها الوسيط مع السلطات المركزية في دمشق.
لكن منذ سنوات، بدأ هذا التكتل يشهد تبايناً حاداً في مواقفه. الشيخ حكمت الهجري، الذي كان صوتاً هامشياً، بات اليوم أحد أبرز المعارضين للحكومة، مدعومًا بتحالف ديني مع المرجع موفق طريف في فلسطين وإسرائيل، الأمر الذي عزز مكانته كرمز للتيار المعارض.
في المقابل، يواصل يوسف جربوع الدفاع عن التواصل مع دمشق، ساعيًا للحفاظ على الاستقرار عبر قنوات رسمية. ويقف إلى جانبه ليث البلعوس، نجل القائد الراحل وحيد البلعوس، الذي تحوّل من خصم شرس للنظام إلى حليف للرئيس الحالي أحمد الشرع.
🔸 تعدد الفصائل بين الموالاة والمعارضة
تُظهر الساحة العسكرية الدرزية انقسامًا مشابهًا، حيث توالي بعض الفصائل حكومة دمشق، مثل:
في المقابل، تصطف فصائل المعارضة، أبرزها:
أما التحالف الجديد تحت اسم قوى مكافحة الإرهاب أو حزب اللواء السوري، فيضم فصائل عدة، منها:
درع التوحيد
قوات العليا
شيخ الكرامة
سرايا الجبل
جيش الموحدين
وقد أعلن هذا التحالف قطيعة كاملة مع دمشق، خصوصاً بعد الخطاب الناري للهجري في 15 يوليو، الذي رفض فيه عرض الحكومة بوقف إطلاق النار ودخول القوات النظامية إلى المحافظة.
🔸 حركة رجال الكرامة… رفض صامت لكنه قوي
أبو حسن يحيى الحجار يقود فصيلًا كبيرًا نسبياً تحت اسم رجال الكرامة، يعارض حكومة دمشق من دون إعلان سياسي صريح، ويحتفظ بتأثير ميداني راسخ في المجتمع المحلي.
🔸 انقسام روحي يعكس تصدعاً سياسيًا
تترجم هذه الانقسامات إلى مشهد معقد داخل الطائفة الدرزية، حيث تتصارع قوى محلية بين الحفاظ على العلاقة مع الدولة، والانحياز إلى رفض شعبي متصاعد ضد السلطة، بينما تحاول أطراف أخرى إيجاد صيغة متوازنة تحمي الخصوصية الدينية والسياسية للطائفة ضمن الهوية الوطنية السورية.
ابرز الأحداث التاريخية
قاد سلطان باشا الأطرش، أحد أبرز رموز الطائفة الدرزية، الثورة السورية الكبرى ضد الاحتلال الفرنسي.
رفض مشروع إقامة دولة درزية مستقلة، وأصر على وحدة سوريا، مما جعله رمزًا وطنيًا يتجاوز الانتماء الطائفي.
هذه الثورة رسّخت السويداء كـ”ضمير وطني” في الوجدان السوري.
في عهد الرئيس أديب الشيشكلي، اتهم النظام الدروز بالتآمر، وقام بقصف السويداء بالمدفعية.
أدى ذلك إلى تهجير وقتلى، وخلق شرخ طويل الأمد بين أبناء السويداء والحكم المركزي.
هذه الحادثة تُعد أول مواجهة دموية مباشرة بين السلطة والدروز في العصر الجمهوري.
اعتمد النظام البعثي على تعيين شخصيات درزية رمزية في مناصب حكومية، دون منحهم نفوذًا فعليًا.
رافق ذلك رقابة أمنية مشددة على السويداء، ما عزز شعور الطائفة بالعزلة والتمييز.
كان الشيخ وحيد البلعوس من أبرز الأصوات المعارضة للنظام، ورفض تجنيد شباب السويداء في الجيش.
اغتياله في تفجير غامض أثار غضبًا واسعًا، وأدى إلى تشكيل فصائل مسلحة مستقلة مثل “رجال الكرامة”.
هذه اللحظة شكلت نقطة تحول في العلاقة بين السويداء ودمشق، وأعادت إحياء خطاب الرفض الشعبي.
خرجت مظاهرات سلمية في السويداء تطالب برحيل النظام، بدعم من مرجعيات دينية مثل الشيخ حكمت الهجري.
رفعت شعارات وطنية غير طائفية، وأكدت على الانتماء لسوريا الموحدة، مع رفض السياسات المركزية.
رغم عرض فرنسا إقامة دولة درزية مستقلة، رفض الدروز ذلك، وأصروا على الانضمام إلى الدولة السورية.
هذا الموقف التاريخي يُستحضر اليوم في رفضهم لأي مشاريع انفصال أو حماية خارجية.