في أول حديث علني بعد سقوط نظام بشار الأسد، ظهر حسين الشرع، والد الرئيس السوري أحمد الشرع، في مقابلة مطولة مع الإعلامي أنس أزرق ضمن بودكاست “للحديث صلة” في منصة “العربي بلس”، مستعيداً تفاصيل واسعة من مسيرته الشخصية والسياسية الممتدة منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى اليوم.
وتحدث الشرع عن نشأته في القنيطرة وتأثير الوحدة السورية المصرية، واعتقالاته المتكررة بسبب مواقفه الناصرية، ولجوئه إلى العراق، وعلاقته بحافظ الأسد، وعمله في قطاع النفط وكشفه ملفات فساد كبرى، إلى جانب تجربته في السعودية، وفشل مشروعه في تأسيس جامعة خاصة، وكتاباته الفكرية والاقتصادية، وصولاً إلى موقفه من الثورة السورية ورؤيته للمرحلة الانتقالية الحالية ودور ابنه أحمد الشرع.
البدايات في الجولان وتأثير الوحدة المصرية السورية
في حديثه عن فاروق الشرع الذي لا تربطه به صلة قرابة، أشار إلى أن الأخير كان شخصاً نشيطاً حزبياً أكثر من كونه دبلوماسياً، إذ جرى تعيينه سفيراً ووزيراً لاحقاً بسبب انتمائه لحزب “البعث”، مؤكداً أنه لا يخشى توجيه التحية له، حتى ولو كان من ال محسوبين على نظام الأسد.
واستعاد الشرع ذكريات طفولته وتأثير فترة الوحدة بين مصر وسوريا (1958-1961)، حين شهدت قريته والبلدات المحيطة نهضة خدمية كبيرة شملت تعبيد الطرق وبناء المدارس الثانوية والمستوصفات وتأمين وسائل نقل للطلاب في القرى البعيدة. واعتبر أن تلك التحسينات رسخت بداخله الفكر الناصري، مشيراً إلى دور عبد الحميد السراج الذي كان يتنكر ويتنقل بين المؤسسات الحكومية لضبط عمليات الفساد والرشوة، في وقتٍ شعر فيه المواطنون للمرة الأولى بتحسن ملموس في حياتهم اليومية.
الاعتقالات المبكرة والهروب إلى العراق لم يكن حسين الشرع منتمياً لأي حزب سياسي، موضحاً أن عائلته كانت ترفض الاصطفاف خلف أي تيار بعثي أو شيوعي أو إخواني، وكانوا يستخدمون تعبير “يصطفلوا” تعبيراً عن الحياد. لكن تبنّيه الأفكار الناصرية دفعه إلى مواجهة مباشرة مع السلطات السورية، فاعتُقل العام 1963 وكان ما زال طالباً في المرحلة الثانوية، بسبب نشاطه الطلابي المؤيد للوحدة في حين كانت القيادات العسكرية ترفض إعادتها، وأمضى خمسة أيام في سكنة حيتل قرب الحدود الأردنية داخل زنزانة تحت الأرض قبل أن يُفرج عنه. عاد الشرع للمشاركة في المظاهرات الطلابية، ليُعتقل مجدداً من مدرسته في درعا بعد رفضه الانضمام إلى حزب البعث الذي وصفه بأنه “حزب انفصالي”، وبقي أسبوعاً في السجن قبل أن يهرب نحو قرية معرية ويعبر نهر اليرموك إلى الأردن. هناك أوقفه الأمن الأردني وسُجن في إربد شهراً كاملاً قبل أن يُخيَّر بين التوجه إلى السعودية أو العراق، فاختار العراق وسلّم نفسه للجيش العراقي الذي أحاله إلى الأمن العام في بغداد، حيث حصل على حق اللجوء السياسي.
بغداد: الدراسة وبناء العلاقات السياسية
استقر الشرع في بغداد وبدأ دراسة الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة بغداد، وهناك أقام صلات واسعة مع شخصيات سياسية بارزة، من بينها جورج حبش مؤسس “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”، الذي عرض عليه رئاسة مكتب الجبهة في العراق. دوّن الشرع تفاصيل تلك المرحلة في كتابه “الرؤوس الحامية”، متناولاً فيها تجربة الناصريين وصراعهم مع أنظمة الحكم السورية المتعاقبة.
هزيمة 1967 ونزوح العائلة من القنيطرة
بعد نكسة حزيران 1967، عاد الشرع إلى سوريا بنيّة القتال ضد إسرائيل، لكنه فوجئ بمنعه من الدخول، فعاد مجدداً إلى بغداد حيث استعاد وضعه كلاجئ سياسي. وخلال تلك الفترة علم أن عائلته نزحت من القنيطرة إلى الأردن ثم استقرت في درعا بعد سقوط الجولان، مؤكداً في حديثه أنه “من المستحيل القبول بالتنازل عن الجولان”، معتبراً أن تحريره سيظل هدفاً وطنياً أساسياً.
العودة إلى سوريا
أنهى الشرع دراسته الجامعية العام 1969 وعاد إلى سوريا حينما كان صلاح جديد في الحكم، لكنه اعتُقل مجدداً من قبل الأمن السياسي بدرعا بسبب نشاطه الناصري القديم، ووُضع في زنزانة تحت الأرض قبل الإفراج عنه. كما واجه بعدها صعوبات كبيرة في العثور على وظيفة نتيجة رفض حزب البعث تعيينه، لكنه تمكن من لقاء حافظ الأسد بعد انقلابه hgعام 1970، tزكّاه الأخير للتوظيف في أي مؤسسة باستثناء وزارتي الدفاع والخارجية، ورغم ذلك واجه صعوبات بالغة في إيجاد وظيفة.
عمل الشرع في “المؤسسة العامة للنفط”، حيث أثبت كفاءته سريعاً وتدرج إلى منصب رئيس دائرة، وكتب دراسات متخصصة حول استخراج النفط، ونشر مقالات في صحيفتي “البعث” و”الثورة” ومجلات اقتصادية متخصصة مثل “الاقتصاد” و”صوت فلسطين”. كما ترشح لانتخابات الإدارة المحلية العام 1971 كمستقل ونجح، قبل أن يترشح لاحقاً لمجلس الشعب، مؤكداً أنه شاهد بنفسه كيف كان حزب البعث ينقل الناخبين بين المراكز الانتخابية لضمان فوز مرشحيه.
السعودية ومرحلة الكتابة المكثفة
في العام 1979، انتقل حسين الشرع إلى السعودية حيث عمل مستشاراً في وزارة البترول لعشر سنوات، وهي المرحلة التي وصفها بأنها الأكثر إنتاجية في مسيرته الفكرية والاقتصادية، وعاد إلى سوريا العام 1989 ليكتشف أن عائدات النفط التي بلغت نحو ملياري دولار سنوياً، كانت تذهب مباشرة إلى القصر الجمهوري. وكشف عن صفقات فساد واسعة في لجنة تسويق النفط برئاسة داوود حيدر، الذي لم يكن يمتلك أي خبرة تقنية، واعتبره واجهة لعائلة الأسد. وأشار إلى العثور على 13 مليار دولار باسم باسل الأسد في بنوك سويسرية بعد وفاته، مؤكداً أن رئيس الوزراء الأسبق محمود الزعبي لقي حتفه بسبب اطلاعه على تفاصيل فساد النظام في النفط. وأوضح أن 300 مليون دولار فقط من عائدات النفط كانت تخصص لاستيراد القمح والحبوب والأدوية، فيما كان الباقي يودع في حسابات شخصية بالخارج.
مشروع الجامعة الخاصة
روى الشرع تفاصيل مشروعه لتأسيس “جامعة العلوم والتكنولوجيا” في الجنوب السوري، حيث أعد دراسة اقتصادية كاملة لجامعة بطاقة استيعابية تصل إلى ثلاثة آلاف طالب، لكنه واجه رفضاً متكرراً من السلطات لسنوات طويلة رغم أنه كان من أوائل المتقدمين للحصول على الترخيص. وأوضح أنه لم يكن يعلم في البداية أن الموافقة مشروطة بقرار من بشار الأسد شخصياً، وحصل لاحقاً على تزكية من أحد الضباط الأمنيين ساعدته في انتزاع الترخيص، لكن المشروع فشل بسبب عجزه عن تأمين التمويل اللازم، خصوصاً بعد رفض رجل الأعمال سليم دعبول دعمه كونه كان يمتلك جامعة القلمون الخاصة، مما أدى إلى إجهاض الفكرة بالكامل.
الثورة السورية والمرحلة الانتقالية
أكد حسين الشرع دعمه للثورة السورية منذ بداياتها، لكنه أشار إلى أنه لم يتمكن من إعلان ذلك صراحة لأسباب أمنية. في العام 2017، أصدر كتابَيه “قراءة في القيامة السورية” و”وانتصرت الثورة السورية” الذي طرح فيه خطة شاملة لإعادة بناء سوريا على أساس اقتصاد مغلق يعتمد على استثمار أموال المانحين المخصصة لدعم اللاجئين السوريين، والتي تقدر بنحو 14 مليار دولار سنوياً، إلى جانب بيع ممتلكات حزب البعث المُنحلّ و مقراته في مزادات علنية لدعم عجلة الاقتصاد، وتنشيط قطاع الزراعة، ودعوة السوريين في الخارج لإقامة مشاريع داخل البلاد، وتعزيز الشراكات مع دول الخليج.
وتحدث الشرع الأب عن خلافه مع ابنه أحمد الشرع حول قرار مهاجمة حلب قبيل التحرير، إذ نصحه بعدم خوض المعركة لأنها معركة خاسرة، لكنه فوجئ لاحقاً بتحرير المدينة رغم وجود نحو 35 ألف مقاتل موالٍ للأسد فيها آنذاك، وكان يستخدم لقب “الشيخ” عند الإشارة إلى ابنه الرئيس الانتقالي.
موقفه من ملف السويداء
تحدث حسين الشرع مطولاً عن الوضع في السويداء، واصفاً ما يجري هناك بأنه “فقاعة ستنتهي قريباً”، مؤكداً أن غالبية أهالي السويداء مثقفون ووطنيون ويدركون أن الانفصال غير ممكن بسبب غياب مقوماته، مشدداً على أن إسرائيل “تستغل الملف الدرزي”، لكنه يرى أن مصلحة الدروز الاستراتيجية مع سوريا، وليس مع أي طرف خارجي. وأكد أن الجبل يضم تيارات قومية وناصرية ستتغلب في النهاية على النزعات الطائفية، موضحاً أن احترام “شيخ العقل” مسألة مقدسة لدى أبناء السويداء.
رؤيته لمستقبل سوريا ودور أحمد الشرع
اختتم الشرع حديثه بالتأكيد على أنه لا يتدخل في قرارات ابنه أحمد الشرع ولا في إدارة المرحلة الانتقالية، لكنه شدد على ثقته في رؤيته السياسية، قائلاً إن أحمد “قلبه على سوريا” ويسعى لبناء دولة حديثة متطورة منفتحة على جميع دول العالم لتأمين مشاركتهم في إعادة الإعمار، وبدا حسين الشرع متفائلاً بمستقبل سوريا، معتبراً أن “الفرصة ما زالت قائمة لبناء دولة قوية وعادلة إذا توحدت الجهود الوطنية ونُبذ الفساد والوصاية الخارجية”.