كشفت تقارير إعلامية عبرية عن احتدام الخلا ف داخل الأوساط الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، إثر التنافس المحموم بين أجهزة الاستخبارات حول من يُنسب إليه “الفضل” في اغتيال الأمين العام السابق لحزب الله، حسن نصرالله. هذا الصراع الذي خرج إلى العلن، ألقى الضوء على الانقسام العميق بين “الموساد” من جهة، والاستخبارات العسكرية التابعة للجيش من جهة أخرى، في مشهد يعكس تنازعًا على النفوذ والإنجازات بعد العملية التي وُصفت بأنها “الأخطر” ضد حزب الله منذ سنوات.
“الموساد” في واجهة التلميع الإعلامي
في الأشهر الماضية، نُسبت سلسلة من الضربات النوعية لحزب الله – بما في ذلك تفجير شبكة الاتصالات اللاسلكية “البيجر” – إلى جهاز “الموساد”، وسط تغطية إعلامية إسرائيلية ركّزت على تلميع صورة الجهاز وإبرازه كصاحب اليد العليا في المواجهة مع حزب الله. غير أن هذه الرواية بدأت تتآكل مع ظهور أصوات داخل الجيش تزعم عكس ذلك.
الجيش يخرج عن صمته
في الذكرى السنوية الأولى للعملية، أطلّ ضابطان من الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية عبر تقرير خاص بثّته قناة “I24”، أكدا فيه أن وحدة الاستخبارات العسكرية (شعبة 8200) ووحدة العمليات الخاصة التابعة للجيش كانتا الجهة التي صاغت ونفّذت خطة الاغتيال. وتم التحدث عن الخطة بوصفها “متدحرجة”، بدأت بسلسلة عمليات استهدفت البنية القيادية لحزب الله وانتهت باغتيال نصرالله نفسه، الذي كان محصناً في ملجأ تحت الأرض.
دوافع التنافس
يبدو أن تصاعد هذا التنافس لا يقتصر على البحث عن “الفضل”، بل يتصل أيضاً بتداعيات إخفاقات الأجهزة الإسرائيلية في مواجهة هجوم 7 أكتوبر 2023، إذ يسعى الجيش – وفق محللين – إلى استعادة صورته أمام الرأي العام بعد تحميله مسؤولية التقصير الأمني على الجبهة الشمالية، خاصة في ملف الحدود مع لبنان.
الصحافي المتخصص بالشأن الإسرائيلي، عادل شديد، أشار إلى أن التداخل المتزايد في اختصاصات الأجهزة، إلى جانب تأثيرات السياسة الداخلية، ساهم في تغذية هذا التنافس. فغالبًا ما يمنح المستوى السياسي هامشًا أوسع للجهاز الذي ينسجم معه، مما يفاقم الصراع البيني.
“تصليب المعلومة”: تكامل أم تداخل؟
ورغم الصراع العلني، لا يمكن تجاهل وجود تعاون بين الأجهزة، يتمثل فيما يُعرف في الأوساط الأمنية الإسرائيلية بـ”تصليب المعلومة”، أي تأكيد صحة البيانات الاستخباراتية من أكثر من مصدر قبل اتخاذ قرار التنفيذ. إلا أن هذا التعاون لم يمنع الأجهزة من السعي إلى نسب النجاحات الكبرى لنفسها.
17 تموز: لحظة القرار
بحسب التقرير الإسرائيلي، فإن “الضوء الأخضر” لتنفيذ العملية صدر ليل 17 تموز/يوليو 2024، بإيعاز من القيادة السياسية. بدأت الخطة باغتيال رئيس أركان حزب الله، فؤاد شكر، لتتوالى الضربات التي “قصّت أجنحة” الحزب، وانتهت بالضربة التي وُصفت بـ”حبة الكرز فوق الكعكة”: اغتيال حسن نصرالله.
الضابط المسؤول عن المراقبة العليا بالاستخبارات العسكرية أكد أن الخطة وضعت لتتم على مراحل، بحيث تُربك الحزب وتفقده توازنه قبل توجيه الضربة النهائية. كما شدد على أن اغتيال نصرالله لم يكن فقط هدفًا عسكريًا، بل قرارًا استراتيجيًا لمواجهة “قدراته القيادية” و”قدرته على إعادة بناء الحزب”.
نصرالله “كان فوق الأرض”.. ويحب السباحة!
في مفارقة لافتة، ادعى أحد الضباط أن نصرالله لم يكن مختبئًا في نفق كما اعتقد كثيرون، بل كان يعيش “فوق الأرض معظم الوقت” ويحب السباحة. وأضاف أن نصرالله كان يمتلك معرفة دقيقة بمسؤولي إسرائيل السياسيين والعسكريين، لكنه “اعتقد خطأً أن إسرائيل لن تجرؤ على استهدافه”.
اغتيال بعيون أمنية.. وصراع مستمر
رغم إعلان النجاح الميداني، لم تُحسم معركة النسب بعد. الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ما زالت تتنافس في سوق الإنجازات، وسط مشهد يعكس عدم الانسجام البنيوي في المؤسسة الأمنية. وبينما تحاول كل جهة تصدّر مشهد “اغتيال العدو الأخطر”، تبدو الحقيقة أبعد من مجرد ضغطة زر أو قنبلة موجهة، بل صراع عميق بين أجهزة تسعى كل منها لتكون “صاحبة الضربة القاضية”.