"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

سماء مفتوحة على مصراعيها: كيف سيطر سلاح الجو على أجواء طهران؟

نيوزاليست
الأحد، 29 يونيو 2025

سماء مفتوحة على مصراعيها: كيف سيطر سلاح الجو على أجواء طهران؟

حغاي عميت/ هآرتس

قبل شهرين من الهجوم الإسرائيلي على إيران، في آذار/مارس ونيسان/ أبريل، أفادت وسائل الإعلام العسكرية حول العالم بأن طائرات مقاتلة روسية من طراز “سوخوي 35” وصلت إلى الجزائر. هذه التقارير، التي استندت إلى صور أقمار صناعية، خلقت شعوراً مريراً في أوساط القيادة الإيرانية. فالطائرات التي وصلت إلى الجزائر تم تصنيعها في سنة 2018، بناءً على طلب مصري، لكن في سنة 2022، بدا كأن مصر تخلّت عنها بسبب العقوبات الأميركية التي فُرضت على صناعة السلاح الروسية، بعد أن زودت هذه الأخيرة نظام الأسد في سورية بالسلاح، وبسبب توقعات مصرية بشأن قيام الولايات المتحدة بتزويدها بطائرات F-15 متقدمة، بدلاً منها.

كان من المفترض أن يفسح التخلي المصري عن الطائرات المجال أمام إيران، التي يتعطش جيشها بشدة للتزود بمقاتلات حربية. وقد وُصفت طائرة “سوخوي 35” في الإعلام الروسي بأنها أفضل طائرة غير شبحية في العالم (بعكس طائرة F-35 الأميركية الشبحية)، ومنذ أكثر من عام، يدّعي مسؤولون إيرانيون أنهم توصلوا إلى اتفاق على شراء هذه الطائرات من روسيا، إلّا إن التقارير التي وردت لاحقاً، أفادت بأن الطائرات التي رغبت إيران في شرائها طُليت بألوان سلاح الجو الجزائري، وشقت طريقها من شرق روسيا إلى شمال أفريقيا. بعد شهرين، عندما شنّت طائرات سلاح الجو الإسرائيلي هجوماً على إيران، لم تقلع في مواجهتها، ولو طائرة مقاتلة إيرانية واحدة.

الإيرانيون بين إمبراطوريتين

يشكل الفراغ الذي عمل فيه سلاح الجو فوق سماء طهران مفتاحاً مركزياً للإنجازات الإسرائيلية في هذه الحملة، وهو أمر مفاجئ، إذ بخلاف “حماس”، أو حزب الله، تمتلك إيران جيشاً نظامياً يتضمن سلاح جوّ منظم. لفهم سبب هذا الواقع، يجب الغوص في صفحات التاريخ.

بعد الثورة الإسلامية في سنة 1979، وضعت سلطة آية الله يدها على سلاح الجو الفارسي الذي تم تطويره في عهد الشاه، وكان قائماً على مقاتلات حربية أميركية، غير أن العقوبات الأميركية التي فُرضت على إيران بعد الثورة منعت الإيرانيين من الوصول إلى قطع الغيار والمعرفة التقنية اللازمة لصيانة هذه الطائرات والحفاظ عليها.

إلى جانب ذلك، وبعكس جيوش أُخرى في الشرق الأوسط كانت انقطعت عن التكنولوجيا الأميركية وتحولت إلى الاعتماد على التكنولوجيا القادمة من الاتحاد السوفياتي السابق، لم يتمكن الإيرانيون في ثمانينيات القرن الماضي من التوجه إلى الخصم الأكبر لأميركا. يقول دانيئيل راكوف، وهو باحث كبير في “معهد القدس للاستراتيجيا والأمن” وضابط سابق في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية: “بعد سقوط الكتلة السوفياتية، كان الإيرانيون يقولون: ’في هذا العالم، هناك إمبراطوريتان شريرتان، سقطت إحداهما، وستسقط الأُخرى أيضاً.‘ لقد اعتبر الإيرانيون السوفيات أعداء أيضاً. في نظرهم، كانت الإمبراطوريتان في النصف الشمالي من الكرة الأرضية تخوضان حرباً ضد إيران. القوقاز، بما فيه أذربيجان وأرمينيا، كان بالنسبة إليهم، أرضاً فارسية احتلها الاتحاد السوفياتي، وفي الحرب العالمية الثانية، قسّمت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السيطرة على إيران لمنع سقوطها في يد النازيين.” في تسعينيات القرن الماضي، بعد سقوط الإمبراطورية السوفياتية، تلاشت حالة العداء، ولم تعد إيران ممنوعة من شراء الأسلحة من روسيا. ومع ذلك، كانت قدراتها محدودة، من حيث عدد الطائرات التي يمكنها شراؤها. يقول دانيئيل راكوف: “كان لدى الإيرانيين قيود ميزانية، ونتيجةً لذلك، كان موقع سلاح الجو ضمن القدرات الإيرانية العامة محدوداً. صحيح أنهم اشتروا طائرات ميغ 29، وفي حرب الخليج الأولى، حصلوا على عدد قليل من الطائرات من العراقيين (في سنة 1991، فرّ أكثر من 100 طيار عراقي إلى إيران، ومعهم طائرات سوخوي 24 وميغ 29 روسية الصنع، خوفاً من ضربات سلاح الجو الأميركي؛ حاشية المحرر).

لكن في إيران، تطورت مقاربة تفيد بأن سلاح الجو ليس العنصر الأهم، ولهذا السبب، هو تابع للجيش النظامي، وليس للحرس الثوري، ويحصل على ميزانيات أقل وأولوية متدنية. كذلك، كانت الطائرات السوفياتية تُعد أقل جودةً، مقارنةً بنظيراتها الغربية. لاحقاً، جاءت فترات أُخرى لم يتمكن فيها الروس من بيع السلاح لإيران، لأن التفاهمات بين روسيا ما بعد الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة كانت كثيراً ما تتم على حساب إيران.

في الفترة 2007 - 2020، فرض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حظراً على بيع الأسلحة لإيران، وتعاون الروس مع هذا الحظر خلال بعض تلك السنوات، في إطار سياسة “إعادة الضبط ” (Reset Policy) لعلاقاتهم مع الولايات المتحدة، في محاولة لبناء علاقات أوثق مع إدارة أوباما.

في السنوات الأخيرة، وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا، أوقف الروس بيع أسلحتهم لإيران. يقول تسفي ماغين، السفير الإسرائيلي السابق في روسيا وباحث بارز في معهد دراسات الأمن القومي (INSS): “في رأيي المتواضع، كان ذلك بسبب إسرائيل، نتيجة تفاهُم غير معلن بيننا وبين الروس، يقضي بعدم تزويد إيران بأسلحة تخلّ بالتوازن، وفي المقابل، لن تزوّد إسرائيل أوكرانيا بمنظومات عسكرية.” ويضيف: “هذا ما قادنا إلى شبه فضيحة، عندما طالب الأوكرانيون بأن نزودهم بمنظومات القبة الحديدية ورفضنا. يبدو كأن الروس وفوا من جانبهم بهذه الصفقة. والنتيجة هي أن الإيرانيين غير قادرين على تحدّينا، لا طائرات الـF-35 ، ولا القاذفات الاستراتيجية الأميركية.” “على الصعيد السياسي، لدى روسيا علاقات قوية مع دول الخليج، خصوم إيران، وهذه الدول تمتلك مفاتيح الاقتصاد الروسي من خلال تنسيق أسعار النفط،” يضيف دانيئيل راكوف. “لذلك، واصلت روسيا سياستها بعدم تزويد إيران بالسلاح، كلما زاد التهديد بشن هجوم إسرائيلي، لا بل عرضت نفسها كوسيط.”

ومن وجهة نظر الإيرانيين، يُعتبر السلوك الروسي جحوداً ونكراناً للجميل، إذ إن إيران هي التي زودت روسيا بالسلاح في السنوات التي سبقت حرب “السيوف الحديدية”، وذلك من أجل مساعدتها في مواجهة أوكرانيا. يقول راكوف: “روسيا غزت أوكرانيا، بناءً على افتراضات غير واقعية بأن الحملة ستنتهي بسرعة. وخلال السنة والنصف الأولى من الحرب، كانت تفتقر إلى قوة نارية كافية، وإلى طائرات مسيّرة. أمّا إيران، فكانت تمتلك عدداً كبيراً من المسيّرات الجاهزة، وبأسعار زهيدة. أنشأ الروس مصانع ضخمة، باستخدام التكنولوجيا الإيرانية، والتي منحتهم دفعة كبيرة في قدراتهم النارية.”

في الأسبوعَين الماضيَين، انتشرت في الإنترنت صورة لطائرة ومروحية إيرانيتَين مخبأتَين تحت الجسور، وفي مواقع سرية أُخرى، وهو ما يشكل دليلاً على أن الإيرانيين اختاروا عدم إخراج الطائرات التي يملكونها من المخازن. لقد تصرفوا على هذا النحو لأن تلك الطائرات لم تكن صالحة للطيران بما فيه الكفاية، ولأنهم أدركوا أن طائرة حربية من الجيل الثالث، مثل الـF-4، أو من الجيل الرابع، مثل الـ ميغ 29، لا تملك أي فرصة في مواجهة طائرات حربية إسرائيلية من الجيل الخامس، مثل الـ F-35 والـF-15 IA.

في ظل هذا الوضع، لم يتبقّ أمام الإسرائيليين سوى تدمير جزء كبير من القوة الجوية الإيرانية، وهي على الأرض. حتى في الحالات التي تم فيها التبليغ بشأن إقلاع طائرات إيرانية لاعتراض طائرات إسرائيلية من دون طيار، فإن هذه الطائرات كانت تتجنب الاشتباك. تخلى الإيرانيون عن سلاح الجو، وفي المقابل، ركزوا جهودهم على البرنامج النووي وبرنامج الصواريخ الباليستية وتمويل التنظيمات “الإرهابية” المحيطة بإسرائيل.

“اعتمد الإيرانيون أساليب حرب العصابات، وركزوا كل أموالهم على الصواريخ والطائرات المسيّرة، في محاولة لاستخدام ذخائر أرخص، في مقابل قصف طائرات الـF-35،” تقول عيدي برشدسكي، عقيد احتياط في سلاح الجو، تعمل في مجال تطوير الأعمال الدولية في قطاع التكنولوجيا العسكرية وعضو في منتدى “دبورا”. “هذا الأسلوب تتّبعه التنظيمات الإرهابية”. تم توجيه كل القدرات نحو الاستثمار في صواريخ أرض–أرض. هذا ما واصلوا استخدامه، وما زال لديهم مخزونات. فعلوا ذلك لتجاوز عجزهم في مجال التفوق الجوي. على مرّ السنين، كان دائماً لدى الجيش الإسرائيلي تساؤلات عن سبب حاجة سلاح الجو إلى كل هذا العدد من الطائرات. وكان هناك دائماً انتقادات ومعارك سياسية بشأن الموافقة على شراء سرب إضافي من طائرات الـ F-35.هذه الحرب ذكّرتنا بأنه لكي نكون دولة مستقلة، لا بد من أن نكون مجهزين بأحدث ما في التكنولوجيا. ولولا ذلك، لما كنا قادرين على شن هجوم على إيران.”

إن فشل إيران رسّخ التفوق المطلق للمنصات الجوية الأميركية، وعلى رأسها طائرات الـF-15 من شركة بوينغ، وطائرات الـF-35 من شركة لوكهيد مارتن، لسنوات طويلة قادمة. وقد بيّن هذا التفوق أن جزءاً كبيراً من قوة الولايات المتحدة اليوم يقوم على قدرتها على تحديد مَن تبيع له مقاتلاتها ومَن تمنعه. الدرس الذي استخلصته إيران هو أنه في غياب القدرة على شراء طائرات أميركية، قد تجد نفسك من دون سلاح جو، والنتيجة انعكست في خسارتها القاسية.

المقال السابق
"سخيفة وإهانة لأمة بأكملها".. إيران تندد بتصريحات ترامب حول خامني
نيوزاليست

نيوزاليست

newsalist.net

مقالات ذات صلة

هكذا يقدم السفير الروسي في اسرائيل موقف بلاده من عملية "الأسد الطالع"!

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية