"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

سجال غير منشور مع زياد الرحباني

ساطع نور الدين
الثلاثاء، 29 يوليو 2025

سجال غير منشور مع زياد الرحباني

عندما كنا ، في أواخر ثمانينات القرن الماضي، نقف على شرفة المنزل او نافذته المطلة على القطب الشمالي، نراقب انهيار “الاتحاد السوفياتي العظيم” وزواله، من دون ان نشعر بالأسى، بل بالخوف من ذلك المسجد القريب الذي هبت عليه الرياح العاتية من جهة الشرق الفارسي والجنوب العربي، وضاقت قاعته الصغيرة بالمصلين الذين فاضوا على الشوارع المحيطة، بعدما كان المسجد لا يفتح أبوابه إلا للشيخ وأولاده وأقاربه، أو للصلاة على ميت.. كان زياد في مكان آخر، لا مجال فيه للقلق، من كنيسة ترث “المعسكر الاشتراكي”، الذي لم يمت ولن يموت، لا في لبنان ولا في أي بلد عربي او عالم-ثالثي.

كنا نشعر ان تفكك “الاتحاد السوفياتي العظيم” لم يكن وليد الصدفة، ولم يكن انتصار الامبريالية الأميركية ومعها الصهيونية العالمية وليد الخدعة. قرأنا يومها، أن ليونيد بريجينف هو سبب العلّة الاصلية، معه بدأ ركود الفكرة وكساد التجربة، التي كان سقوطها الأول مع برسترويكا ميخائيل غورباتشيف، وجاء دمارها الأخير على يد بوريس يلتسين، وفريق ضباط الامن الخمسة الذي لا يزال يحكم روسيا حتى اليوم.. لكن زياد كان له رأي آخر: الإله الشيوعي لا يموت، ما زال حياً في شخص الرمز الأهم للنصر على النازية والفاشية: جوزف ستالين إياه.. ولا أحد سواه يمكن ان يحيي ذكرى المجد!

وعلى هذا الاستنتاج بنيت فكرة ان زياد ولد شيوعياً ( في بيت كان قومياً سورياً) ومات شيوعياً تضخ روحه الماركسية اللينينية، الحياة في كل بيت شيوعي مدمر أو متصدع أو مهجّر من مكانه الأول، لكن يمكن رؤيته بالعين المجردة من تلك الشرفة او النافذة نفسها، التي شهدت على أكبر تحوّل سياسي في تاريخ البشرية، وعلى أكبر تحول ديني في تاريخ العالم الإسلامي. وعلى هذا الاستنتاج أيضاً ولدت فكرة أن زياد ولد ومات مناهضاً للنظام اللبناني..الذي استدعاه وتصالح معه في آخر عملين مسرحيين له كانا بمثابة نداء استغاثة بالدولة، بل بالعسكر، بوصفهم “فسحة الامل” لذلك “الشعب العنيد” العاصي على كل الأفكار والاتجاهات الحية.

لكن ذلك الحوار “الفكري” الذي ليس له صلة بالفكر ، مع زياد، كان متقطعاً، خاطفاً ، لم يدم سوى عامين فقط، هما عمر تجربة العمل المشترك في مؤسسة صحافية جدية وعريقة، مثل “السفير”. وكانت خلاصة الحوار أن السياسة ليست ملعب زياد، (الذي أغواه محيطه يوماً بالترشح للنيابة)، وأن الفن ليس”شغل المسيسين”. وكان الافتراق مناسبة للتعبير الصريح، المكرر والمعاد، أن زياد يؤذي نفسه وتجربته بالسياسة، مثلما يسيء الى نفسه بالانحدار الى مستوى التهريج المبني على جمل مركبة بصعوبة، تعكس صعوبة العثور على المفردات المناسبة لكل مقام ومقال.. وهو ما ساهم في التطرف بالتعبير عن موقف يرى ان زياد لم يقارب النجاح سوى في مسرحية واحدة، هي “شي فاشل”، وكل ما عداها سهريات مفككة هدفها الترويج لتسجيلات موسيقية وكتابات غنائية خلاّقة، ضاع بعضها وراء كواليس مسارح العبث واللهو، والانغماس ب”التفسير الستاليني” للفن اللبناني.

في السنوات التي سبقت وفاته “منتحراً”، أبدى زياد علامات على أنه شفي تماماً من تلك الآفة السياسية، ما افسح المجال مجدداً لاستعادة ذكريات نبوغه الموسيقي الأول الذي كان جوهر تجربته الفنية، وعمقها الأهم، بألحان وأغان خالدة ( تقتصر بالفعل على ما لحّنه لفيروز دون سواها من الفنانين والفنانات الذي حالفهم الحظ بغناء نغماته وكلماته) وهو ما نقل التجربة الرحبانية من مجال التعثر وانسداد الأفق بعد عقود من التألق، الى حيز عالمي رحب، بلا حدود..

“إنتحر” زياد عندما تردد في استكشاف ذلك الافق بعدما سنحت له الفرصة وتلقى أكثر من دعوة صريحة ومباشرة ليصبح مؤلفاً وموسيقاراً عالمياً بالفعل، لا بالقول الذي خانه أكثر من مرة، لكنه لم يمس من قيمة أي من مقطوعاته الموسيقية، التي لا تُنسى.

المقال السابق
"ما يسعون إليه هو دينكم وعلمكم".. خامنئي: "البرنامج النووي ذريعة للغرب"

ساطع نور الدين

مقالات ذات صلة

حزب الله يستعد للحرب: تسليم لوازم النزوح لقرى شيعية في عكار... و"موبايلاته" خارج الخدمة

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية