قال رئيس الحكومة نواف سلام في مقابلة مع صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية: “توم برَّاك جاء بورقة ونحن وزَّعناها على كل أعضاء مجلس الوزراء، وصارت الآن علنية. وفي الواقع، ما جرى توزيعه هو ورقة برَّاك المعدلة. معدلة بالاقتراحات اللبنانية التي أدخلناها عليها. إذن هذه نسخة أريد أن أسميها «النسخة الملبننة». نحن في مجلس الوزراء اعتمدنا أهدافاً في هذه الورقة التي لا أعتقد أن هناك لبنانيَّين وطنيَّين اثنين يمكن أن يكون لديهما اختلاف حولها. وأنا تقصّدت في قرار مجلس الوزراء الذي يعلَن، تبنِّي أهداف ورقة برَّاك كي لا يصير هناك أي تأويل أو تزوير أو قص أو اجتزاء، من خلال النص على البنود المحددة: واحد واثنين وثلاثة وأربعة وخمسة وستة وسبعة وثمانية وتسعة وعشرة وأحد عشر. هذه هي النقاط وترجمناها في مجلس الوزراء كي لا يحصل أي التباس. كثير من هذه النقاط كانت فيها مساهمة لبنانية، سواء من فخامة الرئيس (جوزيف عون)، أو من الرئيس بري، أو منِّي، من خلال إدخال تعديلات على صياغتها أو تقديم أهداف على أهداف أخرى. هذه هي ورقة برَّاك. ولا أعتقد أن هناك أحداً اليوم -هذا البند الأول المتعلق بوقف الأعمال العدائية فوراً، ليس هناك أحد ليس مع الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي اللبنانية، لا سيما النقاط الخمس. ليس هناك أحد ليس مع عودة أهلنا المهجَّرين من قراهم في الجنوب. ليس هناك أحد ليس مع عودة الأسرى اللبنانيين، أمس قبل اليوم. ليس هناك أحد ليس مع الالتزام ببنود الإعمار، وعقد مؤتمر دولي لحشد الأموال المطلوبة لإعادة الإعمار والنهوض الاقتصادي بالبلد. يجب وقف المزايدات في هذا الأمر. الورقة منشورة. أنت لبناني فاقرأها وقل لي ما النقطة التي لا توافق عليها. ليقل لي أي لبناني ما النقطة التي لا يوافق عليها. هل هناك أحد لا يريد مؤتمراً دولياً للإعمار؟ أشك في ذلك. هل هناك أحد لا يريد انسحاباً إسرائيلياً كاملاً؟ هل هناك أحد لا يريد عودة الأسرى؟ أو عودة أهلنا إلى قراهم في الجنوب؟ إذن لماذا تقوم القيامة (ضد قرار مجلس الوزراء)؟
سئل: ربما لأن ذلك يوحي بأن لبنان سيخرج من الشق العسكري في النزاع مع إسرائيل. هذه الورقة تُخرج لبنان منه، أليس كذلك؟
أجاب: تُخرجه من الشق العسكري للنزاع؟ منذ إقرار القرار 1701 ولبنان يفترض أنه خارج من الشق العسكري. كم عمر القرار 1701؟ نحو 20 سنة. بعد ذلك جاءت لتؤكد هذا الأمر ترتيباتُ وقف الإعمال العدائية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. ثم جاء البيان الوزاري (ليؤكد الأمر نفسه). فمن يريد ذلك (عدم الخروج من الشق العسكري للنزاع مع إسرائيل)؟ حتى عام 2000 -المقاومة التي أوجه إليها أكبر تحية والتي كان «حزب الله» في السنوات الأخيرة هو الطرف الأساسي فيها، وقبل ذلك كان هناك دور لمنظمات أخرى، مثل الحزب القومي والحزب الشيوعي ومنظمة العمل الشيوعي، والتي أوجه أيضاً التحية إلى شهدائهم- كان لـ«حزب الله» الدور الأساسي في المقاومة لإخراج العدو من أراضينا المحتلة. ولكن بعد سنة 2000، للأسف، جلسنا سنوات (نناقش) هل يذهب الجيش (إلى الجنوب) أم لا؟ ما القضية التي يمكن أن يُختلف عليها إذا نزل الجيش إلى أرضه في الجنوب لحماية أهلنا؟ قيل: لا نريد ذلك. صار هناك تشكيك بالجيش. كانت هذه إحدى الفرص التي ضيَّعناها. كما حصل (الأمر نفسه) مع قرار الحرب والسلم. هل يمكن أن نأخذ قراراً بزج لبنان في ما سميت حرب الإسناد؟ أكيد لا يمكن أن نفعل ذلك. نحن خارج هذا الأمر. قرار الحرب والسلم اليوم يعود إلى الدولة اللبنانية. صارت هناك محاولات لإطلاق صواريخ في الأشهر الأخيرة. فوراً تم التحري والقبض على مطلقي الصواريخ ومنعهم. نحن نتخذ القرار في شأن متى ندخل الحرب ومتى لا ندخل فيها. هذا القرار استعادته الدولة. قرار الحرب والسلم يمكنني ان أؤكد لك أننا استعدناه. هذا لا يعني أنه ليس هناك سلاح خارج عن سلطة الدولة. نحن يهمنا أن يصير هذا السلاح كله تحت سلطة الدولة.
سئل: ولكن استعادة قرار الحرب والسلم تعني عملياً إخراج لبنان من المحور الذي كان مقيماً فيه منذ عقود.
أجاب: نعم، أعرف ذلك. تم استخدام تعبيرات فيها تشاوُف، على غرار القول إن هناك أربع عواصم عربية تسيطر عليها طهران. أعتقد أن هذا زمن ولّى. قرار لبنان اليوم يؤخذ في بيروت، في مجلس الوزراء، وليس في أي مكان آخر. لا يملَى علينا لا من طهران ولا من واشنطن.
سئل: هل هذا ما قلته لعلي لاريجاني: أن قرار لبنان يُصنع في بيروت؟
أجاب: أصدرت بياناً أوضحت فيه الكلام الذي صار بيني وبين الدكتور لاريجاني. طبعاً، أنا عتبت عليه ولُمْتُه بشدة على المواقف المنتقدة التي صدرت ضد قرار الحكومة اللبنانية. قلت له إن العلاقات السويّة بين الدول، لا سيما بيننا وبين الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهي علاقات نحن حريصون عليها، يجب أن تقوم على الاحترام المتبادل، وعلى عدم تدخل أي طرف بشؤون الآخرين. نحن لم نسمح يوماً لأنفسنا بالتدخل في الشؤون الداخلية الإيرانية. لا أصرح بأنني مع هذا الطرف أو ذاك في إيران. هذا شأن إيراني داخلي. ولا أنا أعطي رأيي في السياسة الإيرانية. لا أعطي رأيي في السياسة الدفاعية الإيرانية أو في السياسة الداخلية بإيران أو في السياسة النقدية الإيرانية. أكيد لا. هذا شأن إيراني داخلي، وما أطلبه أن إيران وأي طرف آخر يتعامل معنا بهذه الطريقة من خلال عدم التدخل في شؤوننا الداخلية. صدر أكثر من تصريح، وللأسف بعضها أخذ طابعاً تهديدياً، انتُقدت فيه قرارات الحكومة اللبنانية. قلت له إن هذا الكلام مرفوض شكلاً ومضموناً ولا يمكن أن نقبله بأي شكل من الأشكال.
سئل: هل تخشى من قطيعة مع إيران؟
أجاب: إيران بلد كبير ولدينا معها علاقات تاريخية. سألني الدكتور لاريجاني فقلت له إنه منذ ما قبل قيام الجمهورية الإسلامية بقرون لدينا علاقات مع إيران. هناك زيارات وتزاوج وعلاقات تجارية. نحن حريصون جداً على العلاقات بين لبنان وإيران. إيران من أهم دول الجوار للعالم العربي. نريد علاقات سويَّة مع إيران كما مع سائر دول الجوار. إيران دولة إسلامية وعضو في منظمة التعاون الإسلامي. نريد أحسن العلاقات معها. علاقات قائمة على احترام متبادل وعلى عدم التدخل في شؤون الآخرين.
سئل: أسأل لأن الخسارة الإيرانية بالتغيير الذي حصل في سوريا هي خسارة كبيرة والدول تبني علاقاتها على المصالح. فربما التعويض الذي تريد الحصول عليه هو أن يبقى نفوذها في لبنان؟
أجاب: لدينا مصلحة في أن نكون على أحسن علاقة مع إيران. لبنان وسائر العرب، لدينا مصلحة في أن نكون على أحسن علاقة مع إيران، ولو لم يكن الأمر كذلك لما كانت المملكة العربية السعودية قامت قبل سنوات باتفاق بكين مع إيران.
سئل:هل الرئيس نبيه بري شريك كامل في كل هذه المراحل؟
أجاب:الرئيس نبيه بري مباشرةً مع برَّاك وفي مناقشات بيني وبينه ومع فخامة الرئيس (عون) وعبر أحد المراسيل منه معي ومع الرئ يس عون، قدّم ملاحظات. كان لديه تحفظ على بعض الأمور، لكنه شارك بمراحل مختلفة من نقاش ورقة برَّاك إلى أن وصلنا إلى ما وصلنا إليه. هو أدخل تعديلات، مثلما فعل فخامة الرئيس (عون)، ومثلما فعلت أنا. الورقة التي وُزِّعت في مجلس الوزراء هي الورقة التي تضمنت التعديلات اللبنانية. هذه النسخة هي التي أخذت بعين الاعتبار قسماً من تعديلاتنا وليس كلها. هذا النص يتحدث عن الخروق الإسرائيلية، بينما في النسخة السابقة كانت الخروق الإسرائيلية مزعومة. هذه ليست مزاعم بل وقائع، حسبما قلنا للسفير برَّاك.