في إطار الزيارة التي يقوم بها وفد من رجال الأعمال وممثلو الشركات الفرنسية التي تعنى بشؤون إعادة الإعمار وتحديث المدن “ميديف” برئاسة رئيس الجمعية جيرار وولف، والذي كان له لقاءات مع رئيس الحكومة ووزيري المال والاقتصاد، أولم حاكم المصرف المركزي كريم سعيد على شرف الوفد في المعهد المالي للأعمال بحضور السفير الفرنسي هيرفي ماغرو
وكشف وولف أن “الوفد الفرنسي المؤلف من نحو 40 شركة ومؤسسة فرنسية رائدة، جاء إلى لبنان أمس بعد 4 سنوات من زيارة قام بها سابقاً للبنان”، مبدياً استعداد أعضاء الوفد واهتمامه بالاستثمار في لبنان مع أفضل التقنيات، مؤكداً النية بالمشاركة في تحديث البلد وتوطيد دعائمه من خلال المساعدة في مجالات وسائل النقل، الطاقة الصحة، وكل القطاعات الحيوية.
من جهته، شرح سعيد للوفد الركائز التي ينتهجها المركزي في عمله والمستندة إلى تحسين ميزانية المصرف وتنظيفها من الشوائب، تحديد الخسائر المالية، متوقعاً إنجاز قانون الفجوة المالية بنهاية السنة الجارية. أما الركيزة الثالثة فتكمن في توزيع الخسائر وتحمل كل فريق مسؤولياته. والركيزة الأخيرة تتصل بالجانب القانوني والتدابير القانونية والتنفيذية المطلوبة.
وتوقع سعيد رداً على سؤال حول عودة التسليفات، أن تستأنف اعتباراً من السنة المقبلة بما يعيد النشاط الاقتصادي إلى دورته الطبيعية.
وفي كلمته قال سعيد: “مرت البلاد بأزمة مالية ومصرفية خانقة أثرت على مختلف قطاعات الاقتصاد، وفاقمت من هشاشة النظام المصرفي. إلا أن إدارة مصرف لبنان اليوم تتبنى نهجاً مغايراً، يقوم على الشفافية والانضباط والتخلي عن السياسات السابقة التي ساهمت في تفاقم الأزمة”.
وقال إن المصرف لم يعد في موقع الدعم غير المشروط للسياسات الحكومية، بل يسعى إلى بناء هيكلية نقدية متماسكة، تركّز على الاستقرار، وتستمد قوتها من التشريعات والمعايير الدولية، بعيداً من منطق الأرباح السريعة والمغامرات المالية.
وشرح سعيد الإطار الذي وضعه إطاراً لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، ويقوم على أربعة محاور رئيسية تهدف إلى معالجة التشوهات المتراكمة في ميزانية المصرف المركزي، وحماية حقوق المودعين، وإعادة توزيع الخسائر بطريقة متوازنة بين الدولة، والمصارف التجارية، والمصرف المركزي نفسه، الذي تعهد بتحمل الجزء الأكبر من العبء.
وأكد أن هذه الإجراءات ليست مجرد مقترحات نظرية، بل خطوات عملية تنفذ بإشراف محلي ودعم من شركاء دوليين مثل صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والحكومة الفرنسية، ما يعكس التزاماً فعلياً باستعادة الثقة.
وشدد على أن التعافي الاقتصادي يبدأ من إعادة بناء الثقة. فالنظام المالي لا يمكن أن ينهض من دون وجود قطاع مصرفي يتمتع بالحوكمة الجيدة والتمويل الكافي، يكون قادراً على تأمين الائتمان للمؤسسات والمواطنين، واستعادة العلاقة السليمة بين المصارف والمودعين.
وأكد أن إعادة أموال المودعين هي من الأولويات، سواء من خلال السيولة أو عبر أدوات مالية ترتكز على أصول المصرف المركزي.
ودعا سعيد المستثمرين الفرنسيين لتعزيز وجودهم في لبنان، والمشاركة في ورشة النهوض الاقتصادي. مؤكداً أن لبنان،ب رغم ما مر به، لا يزال يحتفظ بموقعه كمركز للإبداع والريادة في المنطقة، وأنه بصدد استعادة مكانته كوجهة جاذبة للاستثمارات والشراكات النوعية ، مشدداً على أن الإصلاح المالي في لبنان لن يكون ظرفياً أو تجميلياً، بل يقوم على أسس متينة من الحوكمة والشفافية، مستلهماً من تجارب عالمية ناجحة، وعلى رأسها النموذج الفرنسي في إدارة المال العام.
وأمل سعيد أن يتحول لبنان مجدداً إلى أرض للفرص، وبيئة خصبة للاستثمار، قادرة على استقطاب الشركاء والمستثمرين، وبناء اقتصاد أكثر توازناً واستدامة.