فتح مكتب المدعي العام الم الي الوطني في باريس تحقيقًا أوليًا ضد رئيس الوزراء اللبناني السابق نجيب ميقاتي، بناءً على شكوى تقدّمت بها جمعيات فرنسية معنية بمكافحة الفساد، وفق ما أفادت به مصادر مطلعة لصحيفة L’Orient-Le Jour.
الشكوى، التي رفعتها في نيسان/أبريل 2024 جمعية “شيربا” الفرنسية ومجموعة ضحايا الممارسات الاحتيالية والإجرامية في لبنان، تتهم ميقاتي وشقيقه طه وعددًا من أفراد أسرته بارتكاب جرائم تشمل “غسل الأموال”، و”الإخفاء”، و”الارتباط الإجرامي ضمن عصابة منظمة”. وقد اعتبر المحامي ويليام بوردون، مؤسس “شيربا”، أن المعلومات الإضافية التي قُدمت لاحقًا “كافية لتجاوز عتبة الافتراضات وتبرير فتح تحقيق في جرائم شديدة الخطورة”.
وتتضمن الشكوى تفاصيل عن أصول عقارية فاخرة في باريس، كوت دازور، موناكو، وسان جان-كاب-فيرا، بالإضافة إلى يختين بقيمة 100 و125 مليون دولار، وطائرتين خاصتين، مسجلة باسم ميقاتي وأقاربه. كما تشير إلى استثمارات في شركة Façonnable، واستخدام شركات وهمية وملاذات ضريبية في عمليات يُشتبه بأنها تهدف إلى غسل الأموال.
وتسلط الشكوى الضوء أيضًا على دخول الأخوين ميقاتي إلى رأس مال بنك عوده عام 2010، حيث استفادا من قروض بقيمة 300 مليون دولار من البنك نفسه لشراء نحو 11٪ من أسهمه، وهي عملية اعت برها قانونيون مخالفة للقانون التجاري اللبناني الذي يمنع تمويل شراء أسهم الشركة من قبلها أو بضمانها.
ورغم نفي مصادر مصرفية وجود أي مخالفة، واعتبار العملية “مطابقة للقوانين وتحت إشراف مصرف لبنان”، إلا أن المدعية العامة في جبل لبنان، غادة عون، كانت قد طالبت بفتح تحقيق جديد في لبنان ضد ميقاتي وشقيقه وحاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، على خلفية هذه الصفقة.
المدعون يشيرون كذلك إلى تراكم ثروة العائلة في ظل ظروف سياسية مثيرة للجدل، منها منح شركتي الاتصالات LibanCell وCellis تراخيص احتكارية في التسعينيات، حين كان ميقاتي وشقيقه مساهمين فيهما، ما أدى لاحقًا إلى فرض غرامات حكومية بقيمة 600 مليون دولار، قبل أن تُعرض القضية على التحكيم الدولي.
وفي تطور قضائي متصل، طلبت سلطات ليختنشتاين في يونيو/حزيران 2022 مساعدة قانونية من لبنان ضمن تحقيق في غسل الأموال ضد رياض سلامة، شمل تحويلًا ماليًا بقيمة 14 مليون دولار من طه ميقاتي إلى شركة مسجلة في ليختنشتاين.
ورغم نفي ميقاتي المتكرر لأي تورط، واعتباره أن “تراث العائلة شفاف وشرعي”، فإن القضية تعيد تسليط الضوء على شبكة من العلاقات المالية والسياسية المعقدة، وعلى دور القضاء الأوروبي في ملاحقة شبهات الإثراء غير المشروع العابرة للحدود.
وكان القضاء اللبناني قد أسقط في شباط/فبراير 2022 قضية “القروض المدعومة” ضد ميقاتي، فيما أسقطت محكمة موناكو في آب/أغسطس 2023 تهم “الإثراء غير المشروع” و”غسل الأموال” لعدم كفاية الأدلة.
وقال بوردون في تصريح لـL’Orient-Le Jour: “هذا القرار القضائي الفرنسي يبعث الأمل في مواجهة محاولات تقويض التحقيقات، تمامًا كما بدأ سقوط رياض سلامة: من الإحالة المحلية إلى التوسّع الأوروبي والدولي، وصولًا إلى النشرة الحمراء للإنتربول”.