تحوّل منزل بلدة يانوح في جنوب لبنان الذي اشتبه الجيش الإسرائيلي بوجود مخبأ أسلحة تابع ل “حزب الله” فيه، إلى نموذج عسكري- أمني- دبلوماسي لما سيكون عليه النهج المعتمد في لجنة الميكانيزم التي تترأسها الولايات المتحدة الأميركية وتضم في عضويتها لبنان، إسرائيل، اليونيفيل، وفرنسا.
في يوم واحد، تواجدت أربعة جيوش في هذا المنزل: من الجو، كان الجيش الإسرائيلي، وعلى الأرض كان الجيش اللبناني واليونيفيل، وفي غرفة العمليات كان الجيش الأميركي. تلقى الجيش اللبناني واليونيفيل، معلومات من لجنة الميكانيزم التي تستعد لتكثيف اجتماعاتها، بدءا ب١٩ كانون الأول / ديسمبر الجاري، بحضور مدنيين على رأسي الوفدين اللبناني والإسرائيلي، عن وجود أسلحة مخزنة في منزل محدد في بلدة يانوح الجنوبية، فتحركت وحدتان من الجيش اللبناني واليونيفيل للتدقيق. اعترض صاحب المنزل و”جيرانه”، بداية، على تفتيش معمّق طلبه الجيش الاسرائيلي، بحيث يتم هدم حائط تحصيني في المنزل لمعرفة ماذا يوجد خلف هذا الحائط. تجاوب الجيش واليونيفيل مع اعتراض الأهالي، فتحركت أسرائيل وطلبت إخلاء المنزل تمهيدا لتدميره، بواسطة غارة جوية. حينها عاد الجيش اللبناني واليونيفيل وقاما بالمهمة، وسط موافقة أهلية، وجمد الجيش الإسرائيلي قرار الهدم.
وانقسم اللبنانيون الذين تابعوا هذا الحدث غير المسبوق والذي حظي بتغطية إعلامية واسعة، حيال ما حصل. البعض اعتبره سلوك واقعي جنّب خسائر مجانية لمالكي المنزل وسكانه. البعض الآخر، وجد فيه مثالا لما يمكن للجيش اللبناني توفيره من أمان للبنانيين، لو تمكن من حصر السلاح وبسط سيطرته على البلاد. البعض الثالث، وجد فيه إهانة سيادية للبنان، بحيث فضل هؤلاء الدمار على يد إسرائيل، على السلامة بالإنصياع لشروطها.
ومهما اختلفت وجهات النظر، فإن منزل يانوح هذا يعكس الواقع الذي يعيشه “حزب الله” وأدخل فيه لبنان، بعد هزيمته في الحرب الأخيرة، وفقدانه ما كان يسمّيه قوة الردع، وعجزه عن توجيه ضربة انتقامية، ولو بسيطة، حيال ما يتعرض له من ضربات وأهمها على الإطلاق اغتيال قائده العسكري الأرفع هيثم الطبطبائي وأركانه في غارة استهدفته في منزل “محمي” في حارة حريك، في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت.
ويوضح نموذج منزل يانوح أنّ لجنة الميكانيزم متفقة على أنّ لبنان عموما وبيئة حزب الله خصوصا لا يمكنهما تجنّب الخسائر والضربات، طالما لم يتم نزع سلاح “حزب الله”، بشكل كامل، وحلّ جناحه العسكري، كما أنّ الجيش اللبناني لا يمكنه أن ينجح بالمهمة المعهودة اليه إذا نسق خطواته مع “حزب الله”، اذ إن الجيش الإسرائيلي، اعتبر التفتيش الأوّل، غير المعمق، لمنزل يانوح منسقا مع حزب الله، فيما جاء تفتيشه الثاني بالإتفاق مع سائر الأطراف في لجنة الميكانيزم، ورغما عن حزب الله.
ويقاوم “حزب الله” هذا النهج ويحاول الانقلاب عليه، بالاتفاق مع إيران، ولكنه حتى تاريخه، لم يجد الوسائل التي يمكنها أن تساند شعاراته وخطاباته وتهديداته وتحذيراته، فهو، فيما يرفع الصوت عاليًا، تأخذ إسرائيل حريتها، في القصف والتدمير والإغتيالات. وليس من باب الصدفة أنّ الجيش الإسرائيلي، نفذ ثلاثة اغتيالات متتالية، وبغضون ساعات قليلة، وفي مناطق متفرقة في الجنوب، بالتزامن مع اجتماع معلن عقده ممثل حزب الله في إيران عبد الله صفي الدين مع علي أكبر ولايتي، المستشار المقرب من المرشد علي خامنئي حيث تعهد الأول بالتمسك بالسلاح وهدّد بالرد على إسرائيل ووعد الثاني بتوفير دعم لا متناه للحزب!
من الواضح، بعد نموذج منزل يانوح الذي استقطب أربعة جيوش، أنّ “حزب الله” لم يعد يملك، دفاعًا عن سلاحه، سوى التهديد بحرب أهلية. تهديد، سرعان ما سوف يتلاشى هو الآخر، عندما تتلمس البيئة الشيعية، أنّ سلامتها تكمن بتسليم مصيرها، حصرًا، إلى الجيش اللبناني، وإهمال شعارات الحزب، بعدما أثبت الميدان أنّها نتاج خيال خصب تغذيه “أجندة “الحرس الثوري” في إيران الواقفة ع لى حافة الجوع والعطش وفقدان الدواء!