"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

من نكتة إلى ملفّ أمني… قراءة في عاصفة ماريو مبارك

نيوزاليست
السبت، 6 ديسمبر 2025

من نكتة إلى ملفّ أمني… قراءة في عاصفة ماريو مبارك

ديانا مقلد

مرّة أخرى، يجد لبنان نفسه في قلب معركة مُنهِكة حول حرّية التعبير والسخرية، وهذه المرّة تتجسّد القضيّة باسم واحد: ماريو مبارك.

منذ نحو أسبوعين، انتشر مقطع مجتزأ من عرض كوميدي قدّمه المؤدّي الساخر ماريو مبارك في أمسية مغلقة، تضمّن نكتة عن قيامة المسيح، لم يشاهد معظم الغاضبين العرض كاملاً، ولم يعرفوا سياقه، لكنّ الدقيقة المقتطعة كانت كافية لإشعال حملة تحريض هائلة، تجاوزت الانتقاد إلى التهديد العلني بالقتل، وترافقت مع تعبئة منظّمة على وسائل التواصل.

تحرّك المركز الكاثوليكي للإعلام، رُفعت دعوى ضدّ مبارك بجرم “المساس بالمشاعر الدينية والذات الإلهية”، وتحوّل الكوميدي إلى متّهم يُلاحَق قضائياً. وأمس، عاد ماريو من كندا، ليفاجأ بتوقيفه في مطار بيروت: صودرت أجهزته الإلكترونية وجواز سفره وهاتفه، وكأنه مجرم خطير، قبل أن يُسمح له بالمغادرة على أن يُستدعى مطلع الأسبوع المقبل للتحقيق لدى الأمن العام. هكذا تحوّلت نكتة إلى ملفّ أمني، وإلى مواجهة بين فنّان ومؤسّسات دينية وأمنية تمتلك قدرة فعلية على تقييد حياته.

قضيّة ماريو ليست حادثة معزولة، بل حلقة جديدة في سلسلة طويلة تطال الساخرين في لبنان والمنطقة، من شادن فقيه إلى نور حجّار، وصولاً إلى عشرات الأصوات التي لجأت إلى الصمت أو السفر خوفاً من أن تتحوّل نكتة أو جملة ساخرة إلى تهمة. وهي أيضاً امتداد لسياق عالمي أوسع، يعيد باستمرار تعريف حدود المقدّس وحدود التعبير.

فقبل أكثر من ثلاثة عقود، أصدر آية الله الخميني فتوى بإهدار دم الروائي سلمان رشدي بسبب روايته آيات شيطانية. عاشت الفتوى طويلاً في الوعي العامّ، إلى أن تحقّقت فعلياً في عام 2022، حين تعرّض رشدي لمحاولة قتل أثناء إلقاء محاضرة في نيويورك، نجا الكاتب، لكنّه فقد عيناً وأُصيب بعجز دائم، في تجسيد مرير لفكرة أن نقد الدين قد يُدفع ثمنه دماً بعد عقود من صدور النصّ.

ولم تكن أزمة الرسوم الدنماركية في عام 2005 أقلّ عنفاً، إذ تحوّلت رسومات في صحيفة، إلى موجات احتجاج عالمية وعمليّات قتل وحرق سفارات، تبعها هجوم “شارلي إيبدو” في باريس في عام 2015، حيث قُتل رسّامون وصحافيون بسبب رسومات ساخرة. هكذا تكرّس منطق يعتبر أن حماية المقدّسات أهمّ من حماية البشر، وأن السخرية جريمة تستحقّ الموت.

في العالم العربي، تفاقم هذا المنطق حين خرجت السخرية السياسية أيضاً من المسموح إلى الممنوع، وفي لبنان، الذي يُفترض أن يكون مساحة أكثر انفتاحاً، يتكرّر المشهد نفسه بأساليب مختلفة: استدعاءات، ملاحقات قضائية، ضغط طائفي، وتحريض رقمي يحوّل الكوميدي إلى هدف مشروع.

الأخطر أن نموذج الغضب الديني، الذي كان مرتبطاً تاريخياً بالإسلام السياسي، صار يُستعاد اليوم داخل الأوساط المسيحية، عبر خطاب يطالب بـ”المعاملة بالمثل”: إذا مُنعت السخرية من الرموز الدينية الإسلامية، فلماذا يُسمح بها في السياق المسيحي؟ هكذا يتحوّل النقاش من الدفاع عن حرّية موحّدة للجميع إلى سباق على من يمتلك حقّ المنع أكثر.

درج

المقال السابق
‎نيكولا ساركوزي يكشف أسرار السجن في كتابه الجديد: شهادة إنسانية ومعركة سياسية قبل المحاكمة
نيوزاليست

نيوزاليست

newsalist.net

مقالات ذات صلة

أربع جبهات في الشرق الأوسط تنتظر قرار ترامب وهذا وضع لبنان (تحليل اسرائيلي)

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية