في تطور غير مسبوق، نفذت إسرائيل ضربة جوية استهدفت قيادات بارزة في حركة حماس داخل العاصمة القطرية الدوحة، في خطوة اعتُبرت بمثابة كسر للخطوط الحمراء التقليدية في الصراع الإسرائيل ي الفلسطيني. العملية، التي جاءت بعد نحو عام من اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله في بيروت، تفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية حول أهداف إسرائيل الاستراتيجية، وحدود الردع، ومستقبل الوساطة القطرية.
منذ اغتيال نصرالله في ايلول الماضي، بدا أن إسرائيل تتبنى عقيدة أمنية جديدة تقوم على توسيع نطاق عملياتها خارج الجغرافيا التقليدية للنزاع. استهداف قيادات حماس في قطر، الدولة التي لطالما لعبت دور الوسيط بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، يعكس تحولًا نوعيًا في قواعد الاشتباك، ويبعث برسائل متعددة إلى أطراف إقليمية ودولية.
لأكثر من عقد، اعتُبرت الدوحة ملاذًا محصنًا لقيادات حماس، بفضل علاقاتها المتشابكة مع الغرب، وخصوصًا الولايات المتحدة التي تحتفظ بقاعدة عسكرية ضخمة في قطر. العملية الإسرائيلية جاءت لتكسر هذا المفهوم، وتؤكد أن “الذراع الطويلة” التي تتحدث عنها تل أبيب ليست مجرد شعار بل قدرة تنفيذية، حتى في أكثر البيئات حساسية دبلوماسيًا.
الضربة في الدوحة لا تستهدف حماس فقط، بل تحمل رسالة مباشرة إلى قطر: لم يعد بإمكانكم لعب دور الوسيط والمضيف في آنٍ واحد من دون ثمن. فلطالما اتُهمت الدوحة بممارسة “لعبة مزدوجة” تجمع بين الاستثمار في الغرب ودعم حماس سياسيًا وماليًا. العملية قد تكون بداية نهاية لهذه المعادلة.
توقيت العملية جاء بعد إعلان الرئيس الاميركي دونالد ترامب عن مقترح جديد لتبادل الأسرى، وتحذيره لحماس من “عواقب الرفض”. دخول الطائرات الإسرائيلية إلى المجال الجوي القطري من دون اعتراض اميركي يعزز فرضية حصول تل أبيب على ضوء أخضر ضمني، ما يجعل الهجوم أيضًا رسالة من واشنطن: إسرائيل لن تنتظر طويلاً في ظل تعثر المفاوضات.
ترى إسرائيل أن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود، وأن حماس تستغل الوقت من دون تقديم تنازلات. الضربة تهدف إلى زعزعة ثقة الحركة في الحماية القطرية، وربما دفعها إلى إعادة حساباتها بشأن الصفقة. ومع ذلك، يبقى التساؤل قائمًا حول مصير الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس، وتأثير هذه الضربة على فرص الإفراج عنهم.
داخليًا، تعزز العملية صورة الحكومة الإسرائيلية بأنها قادرة على المبادرة، خصوصًا في ظل الانتقادات حول إدارة ملف الأسرى والشكوى من إدارة “ملف الارهاب”. خارجيًا، توجه رسالة لحلفاء وأعداء على حد سواء بأن إسرائيل مستعدة لتجاوز الأعراف الدبلوماسية إذا تعلق الأمر بأمنها القومي.
الضربة تضع الوساطة القطرية في مأزق. فهل تستطيع الدوحة الاستمرار في لعب دور الوسيط بعد أن أصبحت ساحة للاشتباك؟ وهل ستعيد حساباتها في علاقتها مع حماس؟ أم أن العملية ستدفعها إلى تعزيز تحالفاتها الغربية لتفادي المزيد من التصعيد؟
في النهاية، يبدو أن إسرائيل لا تسعى فقط إلى تصفية قيادات حماس، بل إلى إعادة رسم خريطة النفوذ الإقليمي، وتحديد من يملك حق الوساطة ومن يتحمل تبعاتها. الضربة في الدوحة ليست مجرد عملية عسكرية، بل إعلان سياسي بأن زمن الملاذات الآمنة قد انتهى.