لم يعد مجرد سؤال عما إذا كان عهد الرئيس جوزف عون، قد ضاع فعلاً، وضاعت معه فسحة الامل التي إرتسمت لدى انتخابه في التاسع من كانون الثاني الماضي..ومعه فُقد أثر رئيس وزرائه نواف سلام المنتخب من بعده بشهرٍ؟
لا شك في أن هذا الانطباع السائد لدى الجمهور اللبناني، على إختلاف انتماءاته وأهوائه، تحوّل في الأسابيع القليلة الماضية، الى ما يشبه الاتهام بان رئيس الجمهورية ما زال منشغلاً بعرض صورته، أكثر من تقديم خطته، وهو يجهد لتحديد حصته المسيحية، والمارونية تحديداً، بين الثنائي الماروني الأقوى، وتشكيل زعامته الشخصية التي يطمح، كما يبدو، الى بلورتها قبل الانتخابات النيابية المقررة العام المقبل.
ولا ينطبق هذا الامر على رئيس الحكومة، الذي تعثر في اليوم الأول للتكليف، ثم سقط في اليوم التالي للتأليف، ثم تابع السير الحثيث عكس التيار والمنطق، متخلياً شيئاً فشيئاً عن الدور والمسؤولية والصلاحيات المنوطة بالرئاسة الثالثة، وعن الإصلاحات السياسية والاقتصادية والمالية والقضائية التي تعهد بها، والتي باتت اليوم أسيرة الرئاسة الثانية، يقبض عليها الرئيس نبيه بري على نحو ما فعل طوال العقود الثلاثة الماضية، منذ تأليف حكومة الرئيس الراحل رشيد الصلح الثانية، لخمسة أشهر من العام 1992، وحتى اليوم.
مع هذا الانطباع، يتشكل وعيٌ عام، بل إقتناعٌ شامل، بأن الثنائي الشيعي هو الذي يعطل عهد الرئيس ع ون، ويعرقل مهمته المفترضة في وقف الحرب الإسرائيلية، وفي إعادة تكوين مؤسسات الدولة وملء شواغرها، أكثر مما يطعن حزب القوات اللبنانية مثلا بذلك التفويض الرئاسي من خلال التشكيك المتواصل بالتزام رئيس الجمهورية ومؤسسة الجيش بتنفيذ قرار تجريد حزب الله من أسلحته ومن أدواته الضاغطة على العهد، وآخرها أداة “الأهالي” التي يستخدمها ضد قوات اليونيفيل في الجنوب.
لا يمكن الزعم أن العهد وقع في كمين الرئيس بري، والثنائي الشيعي، لأن الخضوع لفكرة “الطائفة الجريحة”، لم يكن مترافقاً مع تفاهمات مسبقة تلزم الشيعة المجروحين، بتوسيع هامش الحركة للدولة ومؤسساتها الوليدة، والثقة ولو المؤقتة والمحددة بتحركاتها وخياراتها السياسية، حتى ولو كانت الرئاستان الأولى والثالثة، تخوضان سباقاً محموماً على التعيينات والصلاحيات، يستعيد حرفياً السباقات التي إختبرها لبنان وإستنزفت كل العهود التي أعقبت اتفاق الطائف، والتي لطالما أثارت ريبة الشيعة وحسدهم، وحفزتهم على التمسك بمطلب إلغاء الطائفية السياسية، مهما طال الزمن على الخروج العسكري السوري من الأراضي اللبنانية!
اليوم، ثمة ما يثير الارتياب في أسلوب الرئاستين الأولى والثالثة، وما يثير الشك في سلوك الرئاسة الثانية. التعيينات نموذج صارخ، لكنه هامشي، بالمقارنة مع المس بالحريات ( قصة الشيخ ياسر عودة) ، أو مع الاعتداءات المتكررة على اليونيفيل، التي كان ولا يزال يفترض بالثنائي الشيعي أن يتعامل معها باعتبارها خرقاً اسرائيلياً استخباراتياً جديداً للطائفة وللجنوب، ويطالب الجيش اللبناني بأن يعتقل جميع المعتدين ويحاكمهم، بهذه الشبهة تحديداً..أو على الأقل يخضعهم لعلاجٍ نفسيٍ مكثف.
وعدا ذلك، فإن العهد والرئيس عون تحديداً يضع نفسه هذه المرة في قفص الاتهام، بأنه بالفعل، وليس بالقول الصادر عن منافسيه على الرئاسة الأولى وموقعها ودورها، يتنصل عملياً من مسؤولياته الخاصة بتنفيذ التفويض الأهم الذي إنتخب من أجله، ألا وهو انهاء الحرب وإزالة جميع آثارها.. ولن يكون مبرراً بعد اليوم، الافتراض أن كل ما يوجه إليه من الداخل، ليس سوى حرتقات أو حملات مغرضة، هدفها النيل منه في الخارج، الذي لا يزال مقتنعاً، كما هو ظاهر، بذلك التفويض الرئاسي الحاسم لاستقرار البلد.. وحماية مواطنيه كافة من كل ما يمكن أن يزيد المخاطر الإسرائيلية على مصيرهم.