في العام ٢٠٢٢، لم يكن وضع “حزب الله” في العالم أفضل مما كان عليه حاليًّا، على مستوى التصنيف الإرهابي، فغالبية الدول خليجية كانت او غربية، أدرجته، بجناحيه او بجناحه العسكري، على قوائمها السوداء، ومع ذلك وافق على ان يقترع المعتربون من أماكن اقامتهم للمرشحين في الدوائر التي اليها ينتمون في لبنان.
حينها، لم يكترث “حزب الله” لما يثيره حاليًا من أسباب تدفعه الى تشديد معارضته لتكرار سيناريو العام ٢٠٢٢. تخطاها كلها وسار بتعليق المادة ١١٢ التي تحصر انتخاب المغتربين بستة نواب موزعين على قارات العالم.
لماذا غيّر الحزب موقفه من “مسهّل” قبل أربع سنوات الى “معرقل”حاليًا؟
جميع الناطقين باسم الحزب لا يقدمون أجوبة عن خلفية هذا التغيير الجذري في الموقف. يكتفون برفع لواء “المظلومية”، لجهة “انعدام تكافؤ الفرص” بينهم وبين منافسيهم، ويستقوون بقدرة الرئيس نبيه بري على منع الهيئة العامة لمجلس النواب عن مناقشة ملف قانون الانتخاب، وتحديدا كل ما له صلة بانتخاب المغتربين، لأنّ كل الإحصاءات تفيد بأنّ موضوع انتخاب المغتربين لجميع المرشحين من حيث يقيمون، يحظى بأكثرية نيابية كافية ووافية.
ما هي خلفية هذا التشدد الحالي بعد الموافقة السابقة؟
كثيرة هي الأسباب، وكلها تنطلق من سيناريوهات متصلة بما يشي به الميدان، على اعتبار أنّ هناك تكتمًا على الحقائق الفعلية.
في الدورات الانتخابية الماضية، كان “حزب الله” يسيطر سيطرة كاملة على أقلام الاقتراع حيث لديه مرشحون. وطالما شكت تقاريرالفرق المختصة بمراقبة عمليات الاقتراع من تزوير في الأقلام، من جهة ومن فائض القوة، من جهة ثانية. وكان ينتج عن ذلك “تهريب” المراقبين، الحياديين منهم والتابعين للوائح المنافسة، مما يمكن مندوبو الحزب من تعبئة الصناديق بأوراق اقتراع لأشخاص تغيّبوا عن العملية الانتخابية أو قاطعوها.
وكان هذا السلوك غير القانوني كفيل بمنع الخروق وانجاح من يرغب الحزب بإنجاحهم، وإحباط نتائج المقترعين في الاغتراب، والذين، خلافا لما هي عليه الحال داخل لبنان، يملكون حرية الاختيار، حيث لا تُمارس عليهم أنواع الترغيب والتهويل التي تمارس على المقترعين في الداخل اللبناني.
ويخشى “حزب الله” أن يأتي أيّار/ مايو المقبل، الموعد المبدئي لانطلاق العملية الانتخابية، في ظروف مختلفة عن الدورات الانتخابية السابقة، بحيث تكون سلطة الدولة في مراكز الاقتراع أقوى من أيّ يوم مضى، مما يحد من قدرته على طرد المراقبين والتصرف بحريته مع صناديق الاقتراع. وفي حال صدقت هذه المخاوف، خصوصا وأنّ عيون العالم ستكون ش اخصة على العملية الانتخابية بأكملها، فهذا من شأنه أن يعطي صوت المغتربين تأثيرا مهما على النتائج، فيحصل ما لا يريد الحزب حصوله: خروق تمنع احتكاره و”حركة أمل” للتمثيل الشيعي.
ولا تقتصر مخاوف الحزب عند هذه المسألة فحسب، بل تتعداها أيضا الى عدم الثقة بإقبال كبير لأبناء الطائفة الشيعية على صناديق الاقتراع، بحيث يتكرر انخفاض النسبة، وفق ما حصل في لانتخابات البلدية الأخيرة. وفي هذه الحالة أيضا، يكون لصوت المغتربين تأثير مهم على نتائج الانتخابات!
صحيح أنّ كل التقارير تفيد بأنّ هناك التفافا شيعيا حول “حزب الله”، وتاليا ستكون الانتخابات لصالحه، ولكنّ الصحيح أيضا أنّ هناك امتعاضًا ممنوعًا التعبير عنه، ويستحيل على الجميع باستثناء الحزب قياس مداه وعمقه وجديّته.
وإذا كان الحزب نجح في رفع مستوى الخوف عند أبناء الطائفة الشيعية من “اللبناني الآخر” ومن النظام السوري الجديد، الا أنّ لدى الكثيرين مقاربة نقدية لدور الحزب نفسه، في صناعة هذه المخاطر، فهو تسبب بحرب مع إسرائيل، لم يكن يملك لا الرؤية لمداها ولا القدرة على مواجهتها، وهو كان وراء تحويل سوريا الى دولة معادية، عندما رمى نفسه في أحضان النظام المخلوع، كما تسبب، بفعل استغلال فائض القوة، مشاكل ليس مع القوى السياسية الأخرى، بل م ع سائر العائلات الروحية في لبنان.
ويخشى “حزب الله” أن تتفاقم هذه الامتعاضات الشيعية، مع حلول موعد الانتخابات النيابية، وتنقلب النتيجة، بتأثير الصوت الاغترابي، عليه!
نشر في “النهار”