كان اجتماع اللجنة المكلفة تنفيذ اتفاق وقف العمليات العدائية (الميكانيزم) في الناقورة، الجمعة ١٩ كانون الأول ٢٠٢٥، هو الأهم منذ انشائها، قبل سنة، إذ إنّها في اللقاء الخامس عشر، وضعت آلية واضحة يمكنها أن تساهم فعلًا في التقدم خطوات نوعية إلى الأمام، سواء مرحليًّا أو نهائيًّا.
وكان لافتًا أنّه جرى التحضير، بشكل معمق لهذا الاجتماع، سواء في التواصل الأميركي مع أسرائيل التي زارها، بداية الأسبوع، المبعوث الأميركي إلى سوريا، والمتابع لملف لبنان ولو عن بعد حاليًّا، توم برّاك، أو من خلال اجتماعات باريس مع قائد الجيش العماد رودولف هيكل وشاركت فيها المملكة العربية السعودية إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية، رئيسة الميكاني زم وفرنسا، العضو الدائم في الميكانيزم، أو من خلال مندرجات زيارة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان للبنان، قبل ذلك.
وظهر هذا الإعداد الجيّد للاجتماع الخامس عشر، من خلال العناوين التي تمّ التوافق عليها، وهي ” ثورية” بكل ما للكلمة من معنى، كما من خلال رفع إسرائيل لمستوى تمثيلها في اللجنة، بإيفاد نائب رئيس مجلس الأمن القومي فيها يوسي دريزنين لترؤس الوفد الذي شارك فيه أيضا نائب رئيس دائرة السياسة الخارجية في المجلس اوري ريزنيك.
أين تكمن “الثورية” في الآلية الجديدة التي أقرتها “الميكانيزم”؟
في البيان الصادر عن السفارة الأميركية، حيث تمّ ايجاز النتائج، يظهر عنوانان لافتان:
العنوان الأوّل يتحدث عن وجوب “تعزيز التعاون العسكري بين الجانبين من خلال إيجاد سبل لزيادة التنسيق”.
أمّا العنوان الثاني، فيكشف عن تركيز ” المشاركين المدنيين على أن التقدّم السياسي والاقتصادي المستدام ضروري لتعزيز المكاسب الأمنية وترسيخ سلام دائم. وأن التقدّم في المسارين الأمني والسياسي يظل متكاملًا ويُعد أمراً ضروريًا لضمان الاستقرار والازدهار على المدى الطويل للطرفين”.
وما لم يقله بيان السفارة الأميركية عن اجتماع الميكانيزم، قالته مصادر فرنسية شاركت في الاجتماع الفرنسي- الأميركي- السعودي مع العماد هيكل، عن ضرورة أن يكون نتاج التنسيق بين الجانبين اللبناني والاسرائيلي، عبر الميكانيزم، علنيا، كخطوة لا بد منها ليحل آخر شهر كانون أول الجاري مرفقا بإعلان عن انتهاء مهمة الجيش اللبناني في جنوب نهر الليطاني لجهة نزع سلاح حزب الله وتفكيك بنيته العسكرية وتدمير مخابئه وأنفاقه ومنعه من التحرك فيه، كخطوة تمهيدية للانتقال بفاعلية إلى شمال نهر الليطاني وإنجاز مهمة احتكار السلاح بيد الدولة اللبنانية التي سماها الجيش اللبناني بعملية “درع الوطن”.
ومن الواضح أن ما اتفقت عليه الميكانيزم، يلقى معارضة علنية شرسة من “حزب الله” بدعم إيراني، فالحزب يرفض كل تنسيق بين الجيشين اللبناني والإسرائيلي، ولو كان غير مباشر، كما يرفض رفع مستوى المناقشات إلى المجالين السياسي والاقتصادي.
وحاول الحزب وإيران استباق اجتماعي باريس والناقورة، بتصعيد دعائي، كان أكثره دلالة ما صدر من مواقف في اجتماع طهران بين ممثل حزب الله في إيران عبد الله صفي الدين وعلي أكبر ولايتي، المستشار المقرب من المرشد الإيراني، وما تلاه من رفع لافتة كبيرة في ساحة فلسطين في طهران تهدد مدينة نهاريا في شمال إسرائيل، بمقاتلين يرفعون رايات حزب الله.
ولكنّ اجتماعي باريس والناقورة تجاوزا هذه الرسائل، بشكل واضح، وحددا الخطة العسكرية، والأمنية، والسياسية، والاقتصادية، التي على أساسها، يمكن الضغط على إسرائيل لتوقف تنفيذ الخطط التي وضعتها لعملية عسكرية واسعة في لبنان، في أي وقت يختاره جيشها، بعد نهاية هذا العام.
ومرة جديدة، يقف “حزب الله” أمام الخيار الصعب: تسليم الدولة اللبنانية زمام الأمور أو الذهاب إلى حرب جديدة لا يملك مقوّمات خوضها ومواجهة تداعياتها الكارثية!