"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

كواليس لونا الشبل وبشار الأسد

نيوزاليست
الاثنين، 8 ديسمبر 2025

 كواليس لونا الشبل وبشار الأسد

لا تخلو من فائدة الفيديوهات المسربة للرئيس المخلوع بشار الأسد متجولاً مع مستشارته لونا الشبل في شوارع غوطة دمشق بعد تدميرها. فإلى جانب التسلية والفرحة بأن صاحب هذه التصريحات بات الآن بمثابة مخلوع ليس إلا، هناك الفرصة للتعرّف على الكواليس المضادة لخطابات بشار بالِغةِ الوطنية، والحوارات المحكمة التدبير. هناك معتوه يشتم بلداً يفترض أنه يدافع عنه، على الأقل من باب أنه مزرعته الخاصة وأَبَدُه المستديم، كما آمن على الدوام، لكنه يخجل ويشعر بالعار منه، ومن جنوده وضباطه الذين استبسلوا في الدفاع عنه، استبسلوا في الانحناء وتقبيل يده.

هناك من لا يزال يرى في بشار الأسد الرجل الذي أذل إسرائيل، الرجل الذي لم يوقّع

وإذا كانت هذه نظرته لرجاله فلن يدهشنا بعدُ كيف يرى أبناء الغوطة التي حاربته بشراسة حتى وصلت تقريباً أعتاب قصره، لولا تدخل طيران بوتين، الذي أحرقها عن بكرة أبيها. لن يتردد في القول، عندما يُسْأل عن شعوره أثناء خروجه من جولة فيها: «يلعن أبو الغوطة، دبحتنا دبح»، ولم يكن يخطر في باله أن هذه الكواليس ستُسرّب يوماً، فقد كان في عزّ نشوة نصر مزعوم، فيما يفضي إلى بئر أسرارٍ قاعُه بلا قرار، كما يفترض بسيدة القصر الثانية، التي تصارع على مكانة السيدة الأولى، كما تقول أنباء. عبارته الأكثر انحطاطاً جاءت حين مرّ بحي فيه مسجد ظل واقفاً، رغم كل الدمار من حوله، وهو ذاته يبدو قد طاله الخراب، لكن وسط ذلك تقف لوحة رخامية معلقة تحمل اسم «جامع الروضة». سيقول الجزار السوري: «هذه أوسخ مناطق اجتماعية في سوريا»، و»انظروا، لا يملكون المال لكنهم يبنون من الرخام».

المخذولون نظرته إلى شريحة واسعة من السوريين على أنهم «الأوسخ» ليست جديدة تماماً، فلطالما استخدم كلمات مثل «الجراثيم» و»المندسين» و»العملاء» لوصف كل من اعترض على حكمه، وما دمنا قد سمعناها من أنصاره بهذه الطريقة أو تلك، عندما كتبوا بعبارات لا توارب: «أحلم بدمشق من دون ريف»، يوم كان ريف دمشق، والغوطتان الشرقية والغربية في صلبه، ثائراً حتى أبعد نقطة فيه، ولطالما استسهلوا قول: «نريد تحويل درعا إلى حقل بطاطا»، و»استلمنا سوريا 8 ملايين نسمة وسنعيدها 8 ملايين نسمة». رغبة النظام البائد بمحو شريحة من السوريين، تشكّل أكثريتهم، لم تخف يوماً. لقد نفّذ ذلك عملياً بصواريخ السكود والبراميل المتفجرة العشوائية وبالسلاح الكيميائي، ومن الغريب حقاً أن تهمة الإبادة الجماعية لم تصدر بحق رأس النظام. وما النظر إلى شريحة ما في منطقة بهذا الاتساع على أنها «أوسخ مناطق اجتماعية» سوى تأكيد وإثبات آخر، ولو متأخر، على فعل الإبادة نفسه.

ما النظر إلى شريحة ما في منطقة بهذا الاتساع على أنها أوسخ مناطق اجتماعية سوى تأكيد وإثبات آخر على فعل الإبادة الجماعية نفسه

أكثرية السوريين ليست في حاجة إلى دلائل إضافية على إدانة المجرم، فهي متوفرة بكثرة، ولعلها بين أيدي محاكم أممية أو دولية هنا وهناك. ليسوا بحاجة لأنهم هم الضحايا، ويعرفون ما حلّ بهم، لكنهم لربما وجدوا في تسريبات الأيام الأخيرة طريقة لسلب القاتل السوري الدموي ونظامه إمكانية التشدق بأي حجة أمام محكمة المستقبل. لا أحد في وسعه إنكار كيف استطاع الديكتاتور العراقي صدام حسين أن يحول ساحة محاكمته المتلفزة إلى مرافعة وطنية راح يتغنى بها مريدوه أبعد من العراق، والمدافعون عنه وجدوا دائماً ما يدافعون به عن بطولاته كحارس للبوابة الشرقية، ولربما جاءت جرائم الاحتلال الأمريكي وانتهاكاته لتساعدهم في تأكيد صوابية مواقف الزعيم العراقي. إنك تجد حتى اليوم من يدافع عن معمر القذافي، ملك ملوك أفريقيا، ليس كحارس للعروبة وحدها، بل عن القارة الأفريقية، حيث حورب وقُتل لأنه أراد النهضة لشعبه وللقارة السمراء. لن يعدم أي ديكتاتور إمكان اختراع مرافعة وطنية عن جرائمه، وما من أحد يشبه بشار الأسد في التفلسف واللف والدوران. نحسب أنه سيدوّخ أرفع المحاكم، لا بقوة الإقناع، بل بإسباغ شكل فلسفي على محاججته، وليس مهماً في النهاية إن كانت الذرائع الفلسفية قادرة على إقناع محكمة، فالأهم أنها ستمكّن أيتامه من حجة ما (اليوم فقط شاهدت في فيديو من يرى ببشار الرجل الذي أذل إسرائيل، مستعيداً مقولة الممانعة اللبنانية في وصف أبيه: الرجل الذي لم يوقع!)، فالشق اللبناني من الممانعة جاهز لذلك، وكذلك أيتام الأسد من الفلسطينيين في اتحاد كتّاب رام الله وزملائهم في دمشق، وصولاً إلى الشق الأردني الممانع، أصدقاء رجل المخابرات الراحل، سفير دمشق في الأردن، بهجت سليمان. كيف سيصدّق مشاهدو محكمة المستقبل بشار متحدثاً عن مصالح السوريين ولحمتهم ومنعتهم فيما يحتقرهم جميعاً في كالوس لونا الشبل (لا ندري ما يمكن العثور عليه في كواليس أخرى)، وعلى رأسهم ضباط جيشه! أول المخذولين اليوم هم أبناء طائفته، إذ يدينه جزء كبير منهم على هروبه وتركهم من دون علم ولا خبر. فكيف سيدافع عنه آخرون!

لكنك ائتمنت الخائن! نشرت ممثلة سورية أمس فيديو على حسابها في أنستغرام وهي تبكي، وتضع صوراً من التسريبات، بعبارات مخذولة، وبصحبة النشيد الوطني السابق «حماة الديار»، تقول: «متخيلين إنه حُماة الديار هم أنفسهم من يقوم بهدّ الديار؟»، وتذكر أحد أحياء دمشق المهدمة (جوبر). وتعلق: «تفضل، عم يبرم، ويتسلى بألم لليوم عم ندفع ثمنه». شعرتُ بأن كلامها أقرب لمخذولٍ حديث صدَّقَ حتى اللحظة الأخيرة أن المخلوع ورجاله حماة للديار بحق.

وجد السوريون في تسريبات الأيام الأخيرة طريقة لسلب القاتل الدموي ونظامه إمكانية التشدّق بأي حجّة أمام محكمة المستقبل

ورغم هذه التسريبات المذهلة، على الأقل لأنصاره السابقين كما يفترض، ستجد ممثلاً سورياً آخر يكتب معلقاً: «ما خانك الأمين، ولكنك ائتمنت الخائن». وهذا، بالنسبة للممثل، أقسى عتب على رئيسه الهارب. لا إدانة للجرائم، ولا مفاجأة باكتشاف ما يحدث في المعتقلات، فقط عتب على «ائتمان خائن»! سيظل إذن مَن بإمكانه أن يُسوِّغ ما لا يمكن تسويغه، ما لا يقدر المجرم نفسه على تبريره. هذا النوع من المؤيدين لن تفحمه لا تسريبات لونا الشبل، ولا اعترافات ضباط المخابرات والعسكر والخدم من حوله. تذكّر إذن أن هناك من لا يزال يرى في هتلر اشتراكياً، وفي صدام حارساً للبوابة الشرقية، وفي بوتين خصماً عنيداً للإمبريالية العالمية، وفي نوح زعيتر روبن هود محلياً. لهؤلاء جميعاً، لمؤيديه على اختلاف درجاتهم؛ بالله عليكم، دلّونا على كائن سوي في العالم كله، يمكن أن يقول هذه العبارة: «المواطن الشريف هو اللي بيحلم أنه يشوفني»! عبارة لم يسبقه إليها نبيٌّ، أو داعية، أو زعيم سياسي، وربما ولا حتى بائعة هوى.

المقال السابق
الكونغرس الأميركي يقرر دعم الجيش اللبناني بمحاربة حزب الله والتنظيمات الارهابية الأخرى
نيوزاليست

نيوزاليست

newsalist.net

مقالات ذات صلة

من نكتة إلى ملفّ أمني… قراءة في عاصفة ماريو مبارك

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية