"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

حدث سيّئ: عون يعود إلى "متاهة التناقض"!

رئيس التحرير: فارس خشّان
الأربعاء، 24 سبتمبر 2025

في كلمته الأخيرة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أعاد رئيس الجمهورية اللبنانية إنتاج خطاب الضياع الاستراتيجي الذي ميّز مراحل سابقة من الحكم، ولكن هذه المرة بثوب أكثر تعقيدًا وتناقضًا. فبدل أن يكون الخطاب مناسبة لتوضيح موقف لبنان من القضايا المصيرية، تحوّل إلى عرض فلسفي متشابك، يفتقر إلى الوضوح ويغرق في التناقضات.

الرئيس تحدث عن لبنان العلماني، في محاولة لإبراز صورة الدولة المدنية، لكنه في الوقت نفسه شدد على رمزية الرئيس المسيحي، وكأن العلمانية تُختصر في الشكل لا في المضمون. هذا التناقض يعكس أزمة الهوية السياسية في لبنان، حيث تُطرح الشعارات الكبرى دون أدوات تنفيذية أو إرادة حقيقية للتغيير.

ثم يأتي الحديث عن السلام، وهو مطلب نبيل، لكن الرئيس لم يقدّم أي خارطة طريق لتحقيقه. رفضه للتفاوض السياسي مع العدو الإسرائيلي يضعه في مأزق، إذ كيف يمكن تحرير الأرض بالدبلوماسية دون فتح قنوات الحوار؟ وكيف يمكن الحديث عن الدبلوماسية بينما يُستثنى منها أحد أبرز ملفات النزاع؟ الأكثر إرباكًا كان موقفه من سلاح حزب الله. الرئيس يريد نزعه دون استعمال القوة، لكنه لا يملك وسيلة سلمية لتحقيق ذلك. وحتى في رفضه لاستخدام القوة، يضيف عبارة “ليس في الوقت الراهن”، ما يفتح الباب أمام احتمالات مستقبلية غامضة، ويزيد من ضبابية الموقف الرسمي.

هذا التناقض لا يقتصر على الخطاب، بل يمتد إلى الأداء السياسي. ففي تحول مفاجئ، تخلى الرئيس ومجلس الوزراء عن قرار ٥ آب، الذي حدّد نهاية العام كمهلة لنزع السلاح، وانتقلوا إلى قرار ٥ أيلول، مرحّبين بخطة الجيش التي نسفت المهلة الزمنية، وأعادت الملف إلى دائرة الإبهام. هذا التراجع لا يمكن فصله عن الضغوط السياسية، ويعكس خضوعًا ضمنيًا لإرادة حزب الله، أو على الأقل تماهيًا مع منطق “الواقعية السياسية” التي تبرر التراجع تحت شعار “الاستقرار”.

الخطاب الرئاسي، بدل أن يكون إعلانًا لموقف سيادي واضح، جاء كرسالة رمادية، لا تحدد وجهة ولا ترسم مسارًا. وفي لحظة كان يُنتظر فيها الحسم، اختار الرئيس التردد. وفي وقت يحتاج فيه لبنان إلى قيادة تملك الجرأة على المواجهة، قدّم الرئيس نموذجًا للقيادة التي تفضل التعايش مع التناقضات بدل حلّها.

هذا النوع من الخطابات لا يخدم صورة الرئيس في الداخل ولا في الخارج. بل يعزز الانطباع بأن القرار اللبناني الرسمي بات أسيرًا لتوازنات داخلية، لا تسمح له بالتحرك بحرية، ولا بفرض رؤية وطنية جامعة.

وفي ظل هذا الغموض، يبقى لبنان في دائرة الانتظار، بين خطاب لا يقود إلى فعل، وسياسة لا تملك أدوات التنفيذ.

المقال السابق
ترخيص بإضاءة صخرة الروشة... والأمن يطوّقها من البرّ والبحر
رئيس التحرير: فارس خشّان

رئيس التحرير: فارس خشّان

مقالات ذات صلة

لبنان يبيع الكلام ويشتري الخطر!

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية