صل البابا ليو الرابع عشر، الخميس، إلى تركيا في أول جولة خارجية له منذ انتخابه في أيار/مايو الماضي، في زيارة تمتد أربعة أيام. وحطّت الطائرة البابوية في مطار أنقرة عند الساعة 12:20 بالتوقيت المحلي (09:20 ت غ)، حيث استقبله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وقال أردوغان خلال الاستقبال إن على تركيا “تكريم أبناء جميع الديانات، خصوصاً في ظل الظروف العالمية الراهنة”، معرباً عن أمله أن تكون بلاده “مركزاً للتقارب والوحدة”.
وتحظى الزيارة باهتمام إعلامي عالمي لكونها الأولى للحبر الأعظم منذ توليه المنصب، ولأن برنامجها يشمل محطة ثانية في لبنان. ويرافق البابا على متن طائرته أكثر من 80 صحافياً.
وخلال حديثه للصحافيين، شدد البابا ليو الرابع عشر على الحاجة الماسّة إلى تعزيز الحوار بين الشعوب، محذراً من أن “مستقبل البشرية بات على المحك”. وأضاف: “الهوية المسيحية جزء من الهوية التركية، ونحن إخوة مع المؤمنين وغير المؤمنين، ومع الكنائس الأرثوذكسية واليهود. وعلى كل واحد منا أن يسعى إلى التضامن مع أخيه الإنسان بغض النظر عن طائفته”.
من جهته، أكد الرئيس التركي تطلعه إلى تحقيق السلام في الشرق الأوسط، معتبراً أن زيارة البابا تأتي “في وقت بالغ الحساسية”. وقال إن الرسائل التي ستصدر من تركيا “ستصل إلى العالمين الإسلامي والمسيحي، وتساهم في تعزيز آمال السلام العالمي”.
وأشار أردوغان إلى أن التعصّب يولّد الصراع والانقسام والكراهية، وأن تصاعد معاداة الإسلام في الغرب أحد أوجه هذه الدائرة المفرغة. وتوجّه إلى البابا بالقول: “أؤمن أننا سنواصل العمل معاً لحماية الهوية التاريخية للقدس الشرقية، فالحفاظ على الوضع القائم فيها أمر بالغ الأهمية”.
وأضاف: “أعظم دين علينا تجاه الشعب الفلسطيني هو العدالة، ووفاؤه يكون بتنفيذ حل الدولتين على أساس حدود 1967”، مشيراً إلى أن “إسرائيل تقصف مناطق مدنية، بما فيها الكنائس والمساجد، ومن بينها كنيسة العائلة المقدسة في غزة”.
وأكد أن تركيا “تقوم بمسؤولياتها تجاه الصراعات والأزمات في جوارها، وتعمل من أجل السلام والعدالة”، مشيراً إلى أن دعوات البابا للحوار تحمل قيمة كبيرة في الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية.
وبعد مراسم الاستقبال، زار البابا ضريح مؤسس الجمهورية التركية، مصطفى كمال أتاتورك، أحد أبرز رموز الدولة العلمانية.
ومنذ انتخابه، أظهر ليو الرابع عشر انفتاحاً لافتاً في تعامله مع الإعلام، إذ يعقد لقاءات أسبوعية، ويعتمد الإنجليزية — لغته الأم — لإلقاء خطاباته خلال الزيارة. ويرجَّح أن يركّز خطابه الأول على الحوار مع الإسلام في بلد يشكّل المسيحيون فيه نحو 0.1% فقط من السكان.
ملفات حسّاسة على جدول الزيارة
من المتوقع أن يتطرق البابا إلى قضايا الشرق الأوسط ودعوته المستمرة إلى “سلام من دون سلاح”، وربما يتناول ملفات داخل تركيا مثل حقوق الإنسان، واعتقال المعارضين، وأوضاع الأقليات غير المسلمة التي تشتكي من التهميش.
ورغم تنامي النزعة القومية الدينية وتحويل آيا صوفيا إلى مسجد عام 2020، يسعى الفاتيكان إلى الحفاظ على الحوار مع أنقرة، فيما يشيد باستضافة تركيا لأكثر من 2.5 مليون لاجئ، غالبيتهم من السوريين.
كما واصل البابا الجديد نهج سلفه في انتقاد سياسات الهجرة المتشددة في الولايات المتحدة، مؤكداً أن “معاملة المهاجرين يجب أن تقوم على الكرامة الإنسانية واحترام الحقوق”.
زيارة ذات طابع روحي
وتحمل الزيارة بعداً روحياً، إذ يشارك البابا في اليوم التالي في إحياء الذكرى الـ1700 لأول مجمع مسكوني انعقد في نيقية عام 325م. وعلى ضفاف بحيرة إزنيق، يقيم صلاة مسكونية بمشاركة كهنة من الكنائس الأرثوذكسية، بدعوة من بطريرك القسطنطينية المسكوني برثلماوس الأول، أحد أبرز الشخصيات الأرثوذكسية المنخرطة في الحوار مع الفاتيكان.
وقبيل مغادرته روما، قال البابا: “التقيت البطريرك برثلماوس مرات عدة، وأعتقد أن هذه الزيارة ستكون فرصة استثنائية لتعزيز الوحدة بين جميع المسيحيين”.
