"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

بين التوثيق والرواية... يهود بيروت يطلُّون من شرفاتهم في كتاب لندى عبد الصمد

نيوزاليست
الأربعاء، 15 أكتوبر 2025

 بين التوثيق والرواية... يهود بيروت يطلُّون من شرفاتهم في كتاب لندى عبد الصمد

كريستين حبيب

في ماضٍ ليس ببعيدٍ جداً، أي قبل 50 سنة تقريباً، فرغت منطقة وادي أبو جميل في بيروت من آخر سكّانها اليهود. أطفأوا أنوار بيوتهم ومضوا إلى غير رجعة، من دون أن يودّعوا جيرانهم ومعارفهم الذين نسجوا معهم علاقات وطيدة منذ عشرينات القرن الماضي.

قد يبدو صادماً للبعض -ولا سيما لأجيال ما بعد الحرب الأهلية اللبنانية- أنّ أشخاصاً من الطائفة اليهودية كانوا يقطنون في بيروت. يأتي كتاب ندى عبد الصمد «حين انطفأت شرفات اليهود في وادي أبو جميل» ليروي الحكاية، وليضيء على فصلٍ غير معروف كثيراً من تاريخ المجتمع البيروتيّ.

في حوار مع «الشرق الأوسط» حول إصدارها الجديد، توضح الصحافية والكاتبة اللبنانية، أن هذا الكتاب هو تتمّة لجزءٍ أول نُشر عام 2010، وكان ثمرة سنواتٍ من البحوث والتوثيق. أما الجزء الثاني فقد استغرق العمل عليه 5 سنوات، بمساعدة فريقٍ من الباحثين، بينما تولّت النشر دار «رياض الريِّس للكتب والنشر».

ندى عبد الصمد

يستند الكتاب إلى وقائع تاريخية، لينسج منها مجموعة من الروايات، أبطالها شخصياتٌ عاشت في وادي أبو جميل. «كان من الضروري أن أستكمل قصة ماركو ميزراحي مثلاً، وهو شخصية أساسية في الجزء الأول»، تقول ندى عبد الصمد. وُلد ميزراحي في بيروت من أب يهودي وأم مسيحية، ثم شارك كجندي إسرائيلي في اجتياح العاصمة اللبنانية عام 1982.

شخصياتٌ أخرى تتنقّل بين فصول الكتاب، مثلما تنقّلت قبل عقود بين شوارع بيروت. «كان اليهود جزءاً أساسياً من المجتمع البيروتي. من بينهم: الأطباء، وباعة الأقمشة، وتجّار المجوهرات، واللحّامون، والباعة الجوّالون، وحتى الحاخامات»، توضح الكاتبة.

من أجل اقتفاء أثر هؤلاء، كان على ندى عبد الصمد وفريقها التواصل مع جيران عرفوهم، أو زبائن تعاملوا معهم، أو مرضى تعالجوا عندهم. في أحياء بيروت القديمة، ما زال عدد من كبار السنّ يتذكّرون «الدكتور شمس»، الطبيب اليهودي الذي عُرف بـ«طبيب الفقراء». ومن بين يهود لبنان كذلك مَن استطاع الوصول إلى مراتب عليا في الأجهزة الأمنية اللبنانية، مثل المفوّض إليا بصل.

تؤكّد ندى عبد الصمد أنّ «الكتاب ليس مساحة لإطلاق المواقف السياسية؛ بل هو توثيقٌ لحكايات أشخاص عاديين تكلّموا اللغة العربية، ووُجِدوا في التاريخ والنسيج الاجتماعي لأحد أحياء بيروت… وادي أبو جميل، الذي كان حياً للفقراء ولليهود قبل أن تندثر آثارهم، ويتحوّل إلى ما هو عليه اليوم».

تعتمد الكاتبة بالتالي مقاربة مجتمعيّة في المعالجة السرديّة. ولكن هذا لا يعني أنها لا تضيء على بعض التجارب السياسية التي خاضها هؤلاء اليهود، فمنهم مَن كان يسارياً، بينما انخرط آخرون في حزب «الكتائب اللبنانية».

كتاب ندى عبد الصمد

تشمل مواكبة يومياتهم إضاءة على الشعائر الدينية التي كانوا يقيمونها بكنيس اليهود في بيروت، ولا سيما خلال الأعياد والمناسبات، مثل عيد الحصاد. مع العلم بأنهم كانت لهم مدارسهم وأنديتُهم الاجتماعية، إضافة إلى معابدهم الدينية، قبل أن تدقّ ساعة الرحيل الكبير، وتُحوّل كل ذلك إلى حجارة مبعثرة.

الخيط الجامع ما بين روايات الكتاب هو الهجرة، أو «الرحيل الصامت»، كما تسمّيه ندى عبد الصمد. «كان يستفيق أهل وادي أبو جميل ليجدوا أن نوافذ جيرانهم اليهود قد أُقفلت، وبيوتَهم قد فرغت». وهي توضح في مقدّمة الكتاب أن غالبية القصص تتوقف عند ذلك الرحيل، من دون أن تكمل لتروي ما حلّ بهؤلاء منذ لحظة مغادرتهم الأراضي اللبنانية.

وفق المعلومات المتداولة، فإنّ عدداً كبيراً منهم غادر إلى إسرائيل، ولكن العدد الأكبر سلكَ اتجاهاتٍ أخرى. إلا أن الثابت أن الطائفة اليهودية في لبنان لم يبقَ منها سوى عشرات، ما زالوا موجودين في بيروت. أما عدد اليهود الفعلي الذي كان في لبنان، فقد بلغ ذروته في الخمسينات، مع هجرة يهود من سوريا والعراق إليه بعد نكبة فلسطين، ثم تراجع بعد حرب 1967 إلى أكثر من ثلاثة آلاف. ومنذ ذلك الحين، بدأ العدد في التضاؤل؛ خصوصاً بالتزامن مع اندلاع شرارة الحرب اللبنانية.

المتجوّل اليوم في منطقة وادي أبو جميل لن يجد لليهود أثراً يُذكَر، باستثناء كنيسٍ أعيد ترميمه قبل سنوات. إلا أن المتجوّل بين صفحات كتاب ندى عبد الصمد، ربما يستطيع ترميم بعضٍ من ذاك الماضي الذي يبدو كالخيال؛ ولكنه واقعٌ بشهادة الوثائق والتاريخ، وما تبقّى من حجارة وادي أبو جميل العتيقة.

المقال السابق
السفير الاميركي الجديد يجهّز نفسه للمجيء الى لبنان..ماذا قال؟
نيوزاليست

نيوزاليست

newsalist.net

مقالات ذات صلة

لبنان واليمن وإيران بعد غزة

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية