هآرتس-تسفي برئيل
تتراكم على مكتب الرئيس الأميركي دونالد ترامب مسودات خططٍ لم يتم تجميعها بعد، ضمن خطة عملية قابلة للتنفيذ يمكن أن تُغلق الجبهات الأربع الرئيسية في الشرق الأوسط؛ لقد قُدمت لمجلس الأمن مسودة جديدة لاقتراح قرار يحدد الإطار التشغيلي للقوة المتعددة الجنسيات [في غزة]، ومن المؤكد أنها لن تكون الأخيرة؛ بينما ينتظر لبنان أن تمارس واشنطن ضغوطاً على إسرائيل لقبول اقتراحه بشأن مفاوضاتٍ تتعلق بالترتيبات الأمنية؛ ويدور حوار بين واشنطن وطهران، لكنه لم يتطور إلى مسار سياسي فعلي حتى الآن؛ أمّا في سورية، فبعد الزيارة التاريخية التي قام بها رئيسها أحمد الشرع للبيت الأبيض، ينتظر الجميع مبادرة أميركية بشأن تطوير الترتيبات الأمنية مع إسرائيل. صحيح أن زيارة الشرع صُوّرت أنها إنجاز سياسي لكلٍّ من الرئيس السوري وترامب، لكنها، عملياً، تركت أسئلة كثيرة مفتوحة، وهو ما يثير الشكوك في طبيعة هذا “الإنجاز”.
يمكن للشرع أن يكون راضياً عن قرار الولايات المتحدة بشأن تمديد الإعفاء من العقوبات المفروضة على سورية، بموجب “قانون قيصر”، لكن من المشكوك فيه أن يفتح هذا التمديد الباب أمام تدفّق الاستثمارات والمساعدات التي يحتاج إليها بلده، فالمستثمرون والمانحون لن يسارعوا إلى فتح خزائنهم، في ظل غموض مصير أموالهم خلال الأشهر المقبلة، وخصوصاً في ظل اعتراضات بعض أعضاء الكونغرس، بمن فيهم جمهوريون بارزون يصغون جيداً للموقف الإسرائيلي. لكن في الواقع، لا يختلف هذا الإعفاء عن الإعفاء الذي مُنح للشرع في شهر أيار/مايو.
من جهة أُخرى، أعلن الشرع انضمام سورية إلى التحالف الدولي لمحاربة “داعش”، ليصل عدد أعضائه إلى 90 دولة، لكن حتى الآن، يظل هذا التحالف إطاراً سياسياً فقط، على الرغم من أهميته الرمزية، وما دام لم يتم تنظيم النشاط العسكري السوري، فلن تتمكن الولايات المتحدة من سحب قواتها من البلد، ولا يمكنها تسليم إدارة الحرب للجيش السوري، الذي لا يزال يفتقر إلى الجاهزية والتجهيزات الكافية. وهذا التحرك يُفترض أن يكون جزءاً من خطة استراتيجية جديدة طموحة وضعتها تركيا وسورية والولايات المتحدة.
وبموجب الخطة، ستوفر تركيا المظلة العسكرية العليا للجيش السوري، وسيتم دمج القوات الكردية (قوات سورية الديمقراطية) في الجيش، وتُجرَّد المناطق الحدودية ذات الأغلبية الكردية من السلاح، على أن يعيد النظام السوري فرض سيادته الكاملة عليها، لكن حتى الآن، هناك ألغام سياسية كثيرة تفصل بين النيات والتنفيذ؛ فالأكراد يبدون استعدادهم للانضمام إلى الجيش السوري، لكن بشرط الاحتفاظ بتشكيلاتهم كقوة تنظيمية تدافع عن مناطقهم، وهو ما ترفضه دمشق وأنقرة.
وعلى الرغم من “التقدم الكبير” الذي تحدث عنه الشرع في المفاوضات المباشرة مع إسرائيل، فإن الترتيبات الأمنية ما زالت متعثرة، وأعلن الشرع في مقابلة مع صحيفة “واشنطن بوست” معارضته القاطعة لإنشاء منطقة منزوعة السلاح بين دمشق والحدود الجنوبية والغربية لسورية، حسبما تطلب إسرائيل، مؤكداً أنه من أجل التوصل إلى اتفاق، “يجب على إسرائيل الانسحاب إلى خطوط الثامن من كانون الأول/ديسمبر،” اليوم الذي سقط فيه نظام الأسد، وبدأت إسرائيل باحتلال أراضٍ سورية. تستند معارضة الشرع لإقامة منطقة منزوعة السلاح إلى ركيزتين: الأولى، عملية، فهو يرى أن مثل هذه المنطقة سيتيح لجماعات معادية لإسرائيل العمل ضدها، ولا يتضح مَن سيقف ضدها؛ الركيزة الثانية وطنية، إذ شدد الشرع على أن “هذه الأرض سورية في نهاية المطاف، ويجب أن يبقى لسورية الحق في إدارة أراضيها بحُرية.” ويبدو كأن هذه المواقف التي تقول دمشق إن واشنطن تؤيدها، تلغي احتمال تولّي القوات الأميركية إدارة المنطقة المنزوعة السلاح، أو أن تعمل كقوة إقليمية لردع الهجمات على إسرائيل.
إن مواقف الشرع منسّقة بدقة مع القيادة التركية التي ترى في إسرائيل تهديداً لوحدة الأراضي السورية، ولضمان عدم انحراف واشنطن عن هذا الخط، أو ممارسة ضغوط على الشرع لتقديم تنازلات، أُوفدت أنقرة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان لمرافقته في زيارته للبيت الأبيض، والذي شارك أيضاً في لقاءات الشرع وكبار المسؤولين في الإدارة الأميركية.
هناك سيناريو آخر يتحدث عن نشر “قوة شرطة روسية” في جنوب سورية، على غرار الترتيبات التي كانت قائمة في عهد الأسد، بموافقة إسرائيل والتنسيق معها، وسبق أن أعلن الشرع، خلال زيارته لموسكو ولقائه الرئيس بوتين في تشرين الأول/أكتوبر، أن سورية “ستحترم جميع الاتفاقات الموقّعة مع روسيا،” وفُسّر هذا التصريح بأنه تعهُّد بالسماح لروسيا بالاحتفاظ بقواعدها في طرطوس وحميميم والقامشلي، وإشارة إلى استئناف العلاقات الكاملة بين دمشق وموسكو.
السؤال الآن هو إلى أي مدى سيكون ترامب مستعداً للضغط على إسرائيل من أجل الانسحاب من الأراضي التي احتلتها في سورية؟ وهل سيمنح تركيا “امتياز إدارة الحرب ضد داعش”، وبالتالي يجعلها القوة العسكرية المهيمِنة في سورية؟ وهل سيتخلى عن تحالفه مع الأكراد؟ وهل ستؤدي هذه الخطوات فعلاً إلى اتفاق أمني مع إسرائيل؟
على الجبهة اللبنانية أيضاً، لم يتحقق بعد أيّ اختراق يقرّب طموح ترامب إلى إطلاق مفاوضات بين بيروت والقدس؛ قال الرئيس اللبناني جوزاف عون في مؤتمر صحافي أمس، إنه لا يزال ينتظر ردّ إسرائيل، عبر الوسطاء الأميركيين، على اقتراحه بشأن بدء المفاوضات، وفي مطلع الشهر، صرّح قائلاً: “لا طريق أمام لبنان سوى التفاوض (مع إسرائيل)، فهناك ثلاثة مجالات للعمل السياسي: الدبلوماسية، والاقتصاد، والحرب. وعندما لا تؤدي الحرب إلى نتيجة، ما الذي يبقى؟ جميع الحروب في العالم انتهت بالتفاوض، والمفاوضات لا تُجرى مع الأصدقاء، بل مع الأعداء.”
لكن عون، الذي لا تُعتبر هذه المحاولة الأولى منه لفتح قنوات مع إسرائيل، لم يوضح ما إذا كان مستعداً لمفاوضات مباشرة، حسبما تطالب واشنطن، ولم يوافق بعد على تغيير تركيبة لجنة مراقبة وقف إطلاق النار، بحيث تضم سياسيين وخبراء مدنيين إلى جانب العسكريين، خوفاً من أن يبدو ذلك كأنه تفاوُض سياسي مباشر مع إسرائيل، والاعتقاد السائد في لبنان هو أن إسرائيل غير معنية بالتفاوض، لا بشكل مباشر، ولا غير مباشر، وتفضّل مواصلة استغلال “السماء المفتوحة” التي تتيح لها حرية العمل العسكري؛ في هذا السياق، عُقد في الناقورة الاجتماع الثالث عشر للجنة المراقبة أمس، فعرض الجانب اللبناني انتهاكات إسرائيل، لكن من دون أي تقدُّم سياسي.
وفي الوقت عينه، اشتكى قائد الجيش اللبناني من أن إسرائيل لا تسمح لقواته بدخول مناطق يُشتبه في وجود أسلحة أو منشآت تابعة لحزب الله فيها، متهماً إياها بأنها تفضّل تنفيذ غارات جوية، بدلاً من تمكين الجيش من تنفيذ خطة نزع سلاح حزب الله؛ وعلى الرغم من ذلك، فإن الجيش اللبناني يواصل محاولته تطبيق خطته التي عرضها على الحكومة في آب/ أغسطس الماضي، والتي تعهد فيها بجمع سلاح حزب الله في المنطقة الواقعة جنوبي نهر الليطاني قبل نهاية العام، الموعد الذي يبدو غير واقعي الآن.
ومثلما هي الحال في سورية، ينتظر اللبنانيون أيضاً قراراً أميركياً يفرض على إسرائيل ولبنان اعتماد الورقة السياسية التي قدمها المبعوث الخاص توم برّاك، والتي تنص على وقف الهجمات الإسرائيلية مدة شهرين، وخلالها، تُجرى مفاوضات بشأن الترتيبات الأمنية وترسيم الحدود البرية وإنشاء منطقة منزوعة السلاح بين البلدين. وفي موازاة ذلك، تنسحب إسرائيل، بالتدريج، من خمسة مواقع تسيطر عليها داخل الأراضي اللبنانية.لكن بحسب برّاك، رفضت إسرائيل الخطة تماماً.
صرّح دبلوماسي أوروبي يشارك بلده في هذه المخططات لصحيفة “هآرتس” بأن “الانطباع الآن هو أن هناك نشاطاً دبلوماسياً واسعاً وأوراق عمل كثيرة تنتقل من يد إلى يد، لكن في النهاية، هنا ك جهة واحدة يجب أن تضرب على الطاولة، وتفرض التحركات على الأرض، وهي تجلس في البيت الأبيض، ولا أحد يعرف إلى أين تتجه.”
