أصدر مجلس قضاء الجزائر، الثلاثاء، قرارا بتأييد الحكم الابتدائي على الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال بـ5 سنوات حبسا نافذا، ما يعني الإبقاء عليه في السجن وهو ما قد ينذر بتصعيد العلاقات مع فرنسا.
ويحق لصنصال الطعن في هذا القرار لدى المحكمة العليا في الجزائر التي في حال نقضت الحكم، سيتم إعادة المحاكمة بتشكيلة جديدة من القضاة. أما في حال رفضت الطعن، فسيكون الحكم حينها نهائيا، ما سيفتح الباب لإمكانية العفو الذي يمنحه الدستور حصريا في يد الرئيس عبد المجيد تبون بعد استنفاد كل أدوات التقاضي الممكنة.
وكان صنصال قد مثل في الاستئناف أمام مجلس قضاء الجزائر، صباح الثلاثاء 24 حزيران/جوان وحيدا دون محامٍ، حيث فضّل ا لدفاع عن نفسه مقدما تفسيرات لأسباب إدلائه بالتصريحات الصادمة التي اعتبرت في الجزائر مساسا بالوحدة الوطنية.
وخلال المحاكمة، سئل عن مقابلته الصحافية التي أجراها مع صحيفة “فرونتيار” اليمينية المتطرفة، حيث أدلى بتصريحات حول الحدود الجزائرية، لا سيما الغربية منها، فأوضح: “قلت ببساطة إن الحدود الحالية رُسمت من طرف الفرنسيين، وهي من مخلفات الاستعمار. وذكّرت بأن الاتحاد الإفريقي أقرّ بعد الاستقلال بضرورة احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار”.
واستعرضت القاضية لاحقًا بعض الرسائل والمراسلات التي جمعته مع السفير الفرنسي الأسبق في الجزائر كزافييه دريانكور، والوزير الفرنسي السابق هوبرت فيدرين، وأشارت خصوصًا إلى قوله: “لدينا البترول وشنقريحة”، ليرد قائلاً: “كانت محادثات خاصة، أحيانًا مازحة. لا أرى ما هو الخطير فيها”، حسبما نقله الموقع ذاته.
وبخصوص علاقاته بحركة الماك (المنظمة المصنّفة إرهابية في الجزائر)، أجاب: “أنا أتحدث مع الجميع”. ثم طرحت القاضية سؤالًا مفاجئًا: “هل زرت إسرائيل من قبل؟”، فأجاب: “نعم، سنة 2012″، واستفسرت: “في أي إطار؟”، فردّ: “كنت مدعوًا من طرف منظمة التحرير الفلسطينية والسلطات الإسرائيلية معًا”.
وسألته ما إذا كان ما زال مقتنعًا بتصريحاته ومواقفه، فأجاب بهدوء: “نعم، ما زلت مقتنعًا، لكن الإنسان قد يغيّر رأيه في الحياة”. كما ناقشته القاضية حول سبب تركيز رواياته على السياسة بدل الثقافة أو الأدب، فقالت: “لماذا لا تتحدث عن الأدب والثقافة، بل تركز فقط على السياسة الداخلية؟”، إلا أن صنصال التزم الصمت.
وفي مرافعته، ذكّر ممثل النيابة بتاريخ صنصال حيث “ولد ونشأ وتعلّم وعولج في الجزائر”، مضيفًا أنه “لم يظهر يومًا أي عرفان تجاه وطنه”، قبل أن يلتمس في حقه عشر سنوات سجنًا نافذًا وغرامة قدرها مليون دينار.
بعدها وُجهت لصنصال الكلمة الأخيرة، فقال “إنها محاكمة للأدب، وهذا لا معنى له. الدستور الجزائري يضمن حرية الضمير والتعبير والرأي، ومع ذلك أجد نفسي اليوم أمامكم”.
ويوجد صنصال في السجن بعد إدانته بوقائع تتعلق بالمساس بوحدة الوطن وعدة تهم أخرى، عقب تصريحاته التي نسب فيها جزءا من التراب الجزائري للمغرب. وكان الكاتب قد اعتقل في 16 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، لدى وصوله لمطار الجزائر، بعد تصريحاته لقناة يمينية متطرفة شكك فيها في أحقية الجزائر لحدودها الحالية. وتم وضعه رهن الحبس الاحتياطي، بموجب المادة 87 مكرر من قانون العقوبات الجزائري، والتي تعاقب على “الأفعال التي تهدد أمن الدولة” وتعتبرها “أعمالا إرهابية”.
وتسببت هذه القضية في تفاقم الأزمة بين الجزائر وفرنسا، ووصولها إلى أعلى مستوى بعد تصريحات الرئيس إيمانويل ماكرون أن “الجزائر لا يشرفها أن تسجن كاتبا” ما أثار ردود فعل قوية في الجزائر، وحديث الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في المقابل ووصفه للكاتب بمجهول الهوية واللص الذي يدعي أن نصف الجزائر مملوك لدولة أخرى.
وظهرت بارقة أمل في الإفراج عنه عقب المكالمة الهاتفية بين الرئيسين الجزائري الفرنسي نهاية شهر أفريل/نيسان الماضي، إلا أن كل شيء أعيد إلى نقطة الصفر عقب تفجر ما يعرف بقضية أمير ديزاد التي أغلقت قوس التهدئة بين البلدين.
ويُعرف صنصال الذي شغل منصبا حكوميا رفيعا في الجزائر بداية سنوات الألفين (مدير الصناعة)، بمواقفه الصادمة والتي صنفت لدى البعض ضمن دائرة “الخيانة”، حيث لم يتورع عن وصف الثوار الجزائريين الرموز بالإرهاب، ناهيك عن تبنيه أكثر الأطروحات تطرفا عن الإسلام تحت غطاء محاربة الإسلاماوية.