للمرة الاولى يعلن رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزاف عون نية لبنان سحب سلاح حزب الله. سابقا كان عون يكتفي بترديد مبدأ حصر السلاح بيد الذولة، الأمر الذي فسره الحزب لمصلحته على اعتبار ان سلاحه مكمل لسلاح الذولة وليس نقيضا له. عون، وبمناسبة عبد الجيش انتقل الى وزارة الدفاع في اليرزة، من حيث خاطب مباشرة “حزب الله” وبيئته مؤكدًا أنّ الوقوف في وجه خطة الدولة هو انتحار.
وقال الرئيس عون: “ندائي الى الذين واجهوا العدوان، والى بيئتهم الوطنية الكريمة، أن يكون رهانكم على الدولة اللبنانية وحدها. وإلا سقطت تضحياتكم هدرا، وسقطت معها الدولة أو ما تبقى منها. وأنتم أشرف من أن تخاطروا بمشروع بناء الدولة، وأنبل من أن تقدموا الذرائع لعدوان يريد أن تستمر الحرب علينا. فنستمر نحن في مأساتنا وتشرذمنا وانتحارنا. لكن هذه المرة، نكون قد تخلينا عن الدعم الدولي والعربي بإرادتنا. وخسرنا إجماعنا الوطني. وهذا ما لا تريدونه ولا نريده”.
ولفت إلى أنّه “للمرة الألف أؤكد لكم، بأن حرصي على حصرية السلاح، نابع من حرصي على الدفاع عن سيادة لبنان وحدوده، وعلى تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة، وبناء دولة تتسع لجميع أبنائها. وأنتم ركن أساسي فيها. عزكم من عزها. وحقوقكم من حقوقها. وأمنكم من أمنها”.
ودعا رئيس الجمهورية جميعَ الجهاتِ السياسية، إلى “مقاربةِ قضيةِ حصرِ السلاح بكلِ مسؤولية، كما عَهِدَكم لبنانُ دوماً عند الاستحقاقاتِ الوطنية الكبرى. فالاختلافُ يبقى ضمنَ أطرِ الاحترامِ والتنافسِ، تحت سقفِ الميثاقِ والدستور. لكن المرحلة مصيرية، ولا تحتملُ استفزازاً من أيِ جهةٍ كانت، أو مزايدةً تُضرُّ ولا تنفع. فتضحياتُنا جميعاً مقدّسة. والخطرُ، أكان أمنيّاً أو اقتصادياً، لن يطالَ فئةً دون أخرى”.
وكشف عون عن بنود مسودة الردود على ورقة الموفد الرئاسي الأميركي توم براك، والتي أجرى عليها تعديلات وأحالها إلى مجلس الوزراء لتحديدِ المراحلِ الزمنية لتنفيذِها.
وقال: “أمام مسؤوليتي التاريخية، وانطلاقا من صلاحياتي الدستورية المنصوص عليها في المادة 52 من الدستور، واحتراما لليمين التي حلفتها، ولخطاب القسم، أرى من واجبي اليوم، أن أكشف للبنانيين، وللرأي العام الدولي ولكل مهتم ومعني، حقيقة المفاوضات التي باشرتها مع الجانب الاميركي، وذلك بالاتفاق الكامل مع رئيس مجلس الوزراء نواف سلام، وبالتنسيق الدائم مع رئيس مجلس النواب نبيه بري. والتي تهدف الى احترام تنفيذ إعلان وقف النار، والذي وافقت عليه الحكومة اللبنانية السابقة بالإجماع”.
وقال: “كان الجانب الاميركي قد عرض علينا مسودة أفكار، أجرينا عليها تعديلات جوهرية، ستطرح على مجلس الوزراء مطلع الأسبوع المقبل وفق الأصول، ولتحديد المراحل الزمنية لتنفيذها. وهذه أهم النقاط التي طالبنا بها: وقف فوري للأعمال العدائية الاسرائيلية، في الجو والبر والبحر، بما في ذلك الاغتيالات، وانسحاب اسرائيل خلف الحدود المعترف بها دوليا. وإطلاق سراح الأسرى، وبسط سلطة الدولة اللبنانية، على كافة أراضيها، وسحب سلاح جميع القوى المسلحة، ومن ضمنها حزب الله، وتسليمه الى الجيش اللبناني، وتأمين مبلغ مليار دولار أميركي سنويا، ولفترة عشر سنوات، من الدول الصديقة، لدعم الجيش اللبناني والقوى الأمنية، وتعزيز قدراتهما، وإقامة مؤتمر دولي للجهات المانحة لإعادة إعمار لبنان في الخريف المقبل، وتحديد وترسيم وتثبيت الحدود البرية والبحرية مع الجمهورية العربية السورية، بمساعدة كل من الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية والفرق المختصة في الأمم المتحدة، وحل مسألة النازحين السوريين، ومكافحة التهريب والمخدرات، ودعم زراعات وصناعات بديلة”.
وأوضح الرئيس عون أنّ “هذه هي أهم بنود المذكرة التي حددنا مراحل تنفيذها بشكل متواز، والتي لا يمكن لأي لبناني صادق ومخلص إلا أن يتبناها. بما يقطع الطريق على اسرائيل، في الاستمرار في عدوانها، ويفرض عليها الانسحاب من جميع الأراضي المحتلة، ويرسم حدود لبنان جنوبا وشرقا وشمالا، لأول مرة في تاريخه، ويضبط مراقبة هذه الحدود، ويمنع الاعتداءات، ويعيد الناس الى أراضيها، ويؤمن لهم الأموال اللازمة لبناء البنى التحتية والبيوت، ويعزز الثقة بالدولة اللبنانية ومؤسساتها، وبالجيش أولا، ويعطينا فرصة لإقامة استقرار ثابت ودائم، هو الشرط الأول لازدهار الاقتصاد اللبناني، وللمضي في الاصلاحات البنيوية الضرورية، بدعم دولي وعربي”.
وأشار إلى “أننا تعبنا من حروب الآخرين وحروبنا على أرضنا، ومن رهاناتنا ومن كل المغامرات. وآن لنا أن ننهي أعذار وأطماع أعدائنا الذين يستثمرون في انشقاقاتنا وهواجسنا. والذين واجهناهم أحيانا فرادى من خارج أطر الدولة، اعتقادا من بعضنا، ولو عن حسن نية، بأن الدولة أضعف من أن تقاوم. أو أن العدو هو في الداخل. أو أن جانبًا خارجيًا يدعم أحدنا، سيحارب نيابة عنه. وقد سقطت هذه الأوهام كلها. بعدما أسقطت الآلاف من شهدائنا ودمرت قسما كبيرا من وطننا”.
وتابع الرئيس عون: “لا، ليس أضمن من سلاح الجيش بوجه العدوان. جيش وراءه دولة مبنية على المؤسسات والعدالة والمصلحة العامة. فلنحتم جميعا خلف الجيش. لأن التجربة أثبتت أن سلاحه هو الأمضى، وقيادته هي الأضمن، والولاء له هو الأمتن”.
ووجه عون كلامه الى ” الجيش اللبناني الأبيّ” وقال:
لقد دفعتُ الكثيرَ من رصيدي الشعبي، كي أُجنّبَك وأجنّبَ الشعبَ اللبناني حروباً أو صراعاتٍ عبثية. ولكنَّ ساعةَ الحقيقة بدأت تدق. فالمنطقة من حولِنا في غليانٍ، وهي تتأرجحُ بين حفةِ الهاوية وسُلّمِ الازدهار. فعلينا اليومَ أن نختارَ، إما الانهيار، وإما الاستقرار.
أنا اخترتُ العبورَ معكم، بوطنِنا لبنانَ نحو مستقبلٍ أفضلَ لجميع أبنائِه.
معاً، لن نُفرِّطَ بفرصةِ إنقاذِ لبنان. ولن نتهاونَ مع من لا يعنيه إنقاذٌ، أو لا يَهمُه وطن.
معاً، نريدُ حفظَ كرامةِ كلِ لبناني. وصونَ قضيةِ كلِ شهيد.
معاً نريدُ استعادةَ دولةٍ تحمي الجميع.
فلا تستقوي فئةٌ بخارجٍ، ولا بسلاحٍ، ولا بمحورٍ، ولا بامتدادٍ ولا بعمقٍ خارجي ولا بتبدّلِ موازين.
بل نستقوي جميعاً بوحدتِنا ووفاقِنا وجيشِنا، وأجهزتنا الأمنية لمواجهةِ أيِ عدوانٍ كان.
نريد استعادةَ دولةٍ، هي خُلاصةُ إراداتِنا، وتجسيدٌ لميثاقِنا، وثمرةُ تضحياتِنا. وهي وحدَها التي تحمينا.
إن الاستحقاقَ داهمٌ والمسؤوليةُ شاملة.
وطالما أن اللبنانيين معكم، مع صلابةِ إرادتكم، وحكمةِ قيادتِكم، انا واثقٌ بأنّ مشروعَ الدولة سينتصر!
فابقَ أيها الجيش على أُهبةِ الاستعدادِ للدفاعِ عن لبنانَ وعن حياةِ شعبِه ومصالحِ أهاليه. وأنا لا أنتظرُ من المكوّناتِ السياسية في مجلسيْ النوابِ والوزراء، إلاّ الإصطفافَ خلفَك في مهمتِك التاريخية. لكي نترحّمَ في عيدِ تأسيسِك، على المؤسِسِ الرئيس فؤاد شهاب. لا أن يترحّمَ علينا العالمُ متفرّجاً.
لذا كلّي ثقةٍ بحكمةٍ رجالاتِ ونساءِ بلادي. من قادةِ الأحزابِ والنوابِ والوزراء، والمرجعياتِ الدينية والاقتصادية والفكرية والإعلامية والثقافية وغيرها، ومن كلِ لبنانيٍ حرٍ حريص، بأنْ نتخذَ معاً، بشجاعةٍ ومسؤولية، قراراً تاريخياً، يقضي بتفويضِ جيشِنا الوطني وحدَه، حَملَ السلاحِ عنّا كلِنا، وحمايةَ الحدودِ عنّا جميعاً. فشرعيّتُنا من شرعيّةِ جيشِنا. وكرامتُنا من كرامته.
فالعيدُ لن يكتملَ إلاّ باكتمالِ التحرير. والعيدُ لن يكتملَ إلاّ بإنجازِ الترسيم. والعيدُ لن يكتملَ إلاّ بحصريةِ سلاحِك، والمباشرة بالإعمار، ليتصالحَ لبنانُ مع دورِه ورسالتِه.