"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

الدروز في سورية: دَين أخلاقي، وواجب استراتيجي( مقال عبري)

نيوزاليست
الأحد، 4 مايو 2025

الدروز في سورية: دَين أخلاقي، وواجب استراتيجي( مقال عبري)

ن اتخاذ إسرائيل قراراً بتقديم المساعدة إلى الدروز في سورية يُعد أيضاً فرصة لترميم شيء من الأضرار التي جلبتها دولة إسرائيل على نفسها، وتحديداً في هذا الشهر، قبل خمسة وعشرين عاماً. والمقصود هنا هو الانسحاب من الشريط الأمني في جنوب لبنان، والتخلي المخزي والإجرامي عن حلفاء إسرائيل؛ مقاتلي جيش لبنان الجنوبي وقادته. إن وصمة العار التي التصقت بإسرائيل منذ ذلك الحين تُشكّل جزءاً لا يتجزأ من ذلك الإخفاق الاستراتيجي.

ولا أتحدث هنا بالضرورة عن الأضرار الإقليمية للانسحاب، والتي يمكن اليوم مناقشة أثمانها السياسية والأمنية بكل حرية، إذ لم تحظَ إسرائيل بحدود هادئة في مقابل ذلك الانسحاب، بل على العكس؛ فبفرارها، منحت أعداءها في لبنان، وغزة، وإيران تفوقاً معنوياً هائلاً، وفقدت عمقاً استراتيجياً يتبيّن بأثر رجعي مدى أهميته الحاسمة.

وقد كانت تلك أضراراً، أو “أثماناً” بلغة المجاز المُضلِّل، قررت إسرائيل، بقيادة إيهود باراك، دفعها عن وعي تام، اعتقاداً منها بأنها أفضل من استمرار الغرق العسكري الإسرائيلي في “الوحل” اللبناني؛ مجاز مُضلِّل آخر، “الوحل”. ويمكن، وربما يجب، اليوم، إعادة النظر في هذا الإجماع بشأن الانسحاب من جنوب لبنان، تماماً كما بات مسموحاً اليوم الاعتراف في العلن بأن فك الارتباط [عن قطاع غزة سنة 2005] كان خطأً. تخلٍّ عن وعي تام

لكنّ هناك ضرراً استراتيجياً واحداً كان من الممكن، وينبغي، بل أيضاً كان من الواجب منْعه عند الانسحاب من جنوب لبنان قبل خمسة وعشرين عاماً، وهو التخلي المتعمّد عن حلفائنا في جيش لبنان الجنوبي وأفراد عائلاتهم… لقد كانت خيانة مروّعة لحلفاء أُريق دمهم في القتال جنباً إلى جنب مع جنود الجيش الإسرائيلي.

وتحت نشوة التغطية الإعلامية التي رافقت صور الجندي الأخير وهو يغادر جنوب لبنان بعد ثمانية عشر عاماً، كان من الصعب التمييز بين من دفعوا الثمن الحقيقي ومن كانوا على وشك دفعه. أولئك كانوا إخوة في السلاح تم التخلي عنهم من طرف الجيش الإسرائيلي وحكومة إسرائيل. وليس على سبيل المجاز، ولا بلغة مبالغة: هذه المرة كان التخلي عن وعي تام.

لكن ذلك التخلي لم يكن خيانةً لحلفاء فحسب، بل أيضاً كان ضرراً استراتيجياً، إذ أظهرت إسرائيل للقوى المعتدلة في الدول المجاورة أنه لا جدوى من التحالف معها، أو التعاون معها، أو بناء محور مشترك، أو منحها الثقة، ففي لحظة واحدة، حتى بعد عقود من التعاون الوثيق، يمكنها ببساطة أن تنسحب، وتقطع الاتصالات، وتغلق البوابة وراءها، وتتركك للموت.

لا يمكن التكفير عن الجريمة الأخلاقية المتمثّلة في ذلك التخلي، لكن لا يزال من الممكن، والواجب، السعي لتحقيق العدالة لمقاتلي جيش لبنان الجنوبي الذين يعيشون في إسرائيل، كما يمكن إصلاح جزء من الضرر الاستراتيجي الناتج من التخلي عن الحلفاء.

هذا هو بالتحديد التحدي الذي ينتظر إسرائيل في تقديم المساعدة الخارجية إلى الدروز في سورية: عبر الضغط السياسي، وتقديم الإمدادات، والإجلاء الإنساني، وحتى عن طريق ضربات جوية إذا لزم الأمر. صحيح أن الحالتين مختلفتان تماماً - جيش لبنان الجنوبي والشتات الدرزي - لكن جوهر المعضلة الإسرائيلية يقوم على مواد أولية متشابهة: التزام أخلاقي تجاه الدروز في إسرائيل، الذين يشعرون اليوم بالقلق على مصير أقاربهم وإخوتهم في سورية.

صحيح أن الدروز في سورية ليسوا بالضرورة من حلفائنا، وهم موالون للأنظمة التي يعيشون تحت حكمها، لكن وفقاً للتقارير، فإنهم مهددون بخطر “7 تشرين الأول/أكتوبر” على أيدي إسلاميين متطرفين. إن التزامنا الأخلاقي موجّه نحو الدروز في البلد، الذين يُظهرون ولاءً لا حدود له وبلا شروط لدولة إسرائيل وجيشها.

لكن الأمر لا يقتصر على كونه واجباً أخلاقياً، بل أيضاً هو خطوة ذات أهمية استراتيجية. في نهاية الأسبوع، وصف غيرشون هكوهين هذه المعضلة بصورة دقيقة للغاية قائلاً: “هل إسرائيل مستعدة للعمل كقوة إقليمية ذات نفوذ تتجاوز حدودها، أم ستختار، بتردد، الانغلاق داخل أسوار ‘الفيلا في الغابة’؟”

منذ الانسحاب من لبنان، اخترنا أن نكون “فيلا في الغابة”، وهذه الاستعارة الرهيبة لم يورثنا إياها سوى إيهود باراك نفسه. وفي حرب “السيوف الحديدية”، وتحت قيادة بنيامين نتنياهو، حدث انقلاب في العقيدة الاستراتيجية لدولة إسرائيل؛ تحوُّل لا يدرك كثير من المحللين معناه التاريخي، أو يتعمدون تجاهله.

لكن إسرائيل عادت لتصبح قوة ذات نفوذ إقليمي كبير، ومتعددة الأذرع، وفاعلة تصوغ المحيط الذي من حولها، وليس فقط “قوة تعرف كيف ترد” على التغيرات التي تحدث في الدول المجاورة لها. ممنوع وقف هذه الاندفاعة، وبالتأكيد ليس الآن.

المقال السابق
ترامب يأمر بإعادة العمل بـ"أسوأ" السجون الاميركية
نيوزاليست

نيوزاليست

newsalist.net

مقالات ذات صلة

بين ضغوط أميركية وتباينات داخلية.. معضلة المقاتلين الأجانب في سوريا

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية